لا فائدة أن تكون من الحمائم في عالم تحكمه الصقور، ولا يجب أن تكون صقراً مثلهم، بهذا المعنى أجاب الرئيس الروسي فلاديمير بوتين على سؤال صحافي الأسبوع الماضي «كيف تصنف نفسك.. من الحمائم أم من الصقور؟» فأجاب بوتين «أنا من الحمائم ولكن بأجنحة حديدية».
بهذا المنطق تتعامل روسيا مع الغرب منذ تولي بوتين الحكم عام 2000، دائماً تدعو للسلام بينما غيرها في الغرب لا يتحدثون إلا بلغة الحرب والتهديد ويعوقون كل محاولات السلام، ويكتشف العالم بعد فوات الأوان أن روسيا كانت على حق، لقد اعترضت موسكو على الغزو الأميركي لأفغانستان والعراق، وحذرت من أنه لن يجلب هناك سوى الخراب والدمار، وحذرت من مسلسل الثورات الملونة التي ابتدعتها واشنطن لانتزاع السلطة بالقوة في بلاد مجاورة لها، مثل الثورات الوردية في جورجيا 2003 والبرتقالية في أوكرانيا 2004، وغيرهما في مولدافيا وقيرغيزيا وأوزبكستان، وجميعها لم تجلب أي خير بل زرعت الفتنة والانقسامات وخربت الاقتصادات، وحالت روسيا دون تصعيد أزمة النووي الإيراني إلى حد الصدام الذي كان يهدد المنطقة أكثر من مرة، ونجحت في مساعيها لحل الأزمة سلمياً، ورفضت روسيا التدخلات الأميركية تحت شعارات الديمقراطية الزائفة في بلدان ما يسمى بـ«الربيع العربي»، ولم يستمع لها أحد، بل خرج عليها الكثيرون يتهمونها بدعم الأنظمة الديكتاتورية المستبدة.
الآن.. وبعد أن استفحل الخطر، وبات يهدد العالم كله، لم تعد روسيا تستطيع لعب دور الحمائم السلبي، وبات عليها أن تتدخل وبقوة قبل تفشي الخطر، وهذا ما فعلته في سوريا عندما ارتدت أجنحتها الحديدية لتنقض على الإرهاب في مواقعه، ولأنها من الحمائم وليست من الصقور، قرنت عملياتها العسكرية في سوريا، في وقت واحد، بالعملية السلمية التي بدأتها بالفعل مع بداية الأسبوع الثالث لعملياتها العسكرية الناجحة، ورغم حملات التشكيك والتكذيب والشائعات المغرضة، ورغم رفضهم مساعدتها، ولو بالمعلومات، إلا أن الجميع ذهب يدعم ويشارك في العملية السلمية، بما في ذلك واشنطن، ربما لأنهم يثقون أن روسيا من الحمائم، حتى بأجنحتها الحديدية.