في أحد فصول كتاب «رؤيتي»، قال صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم: «في عالم اليوم حيث تتهاوى الحدود وتزداد المنافسة، المدن والدول التي تخل بالتزاماتها ولا تفي بوعودها، يمكن أن تخسر كثيراً من ازدهارها المستقبلي، بينما يحصد الملتزمون بوعودهم أعلى الجوائز».
كلمات سموه عبرت عن أفكار تجسد أداء المؤسسات في دبي، وتترجم ردود أفعال الإمارة في إدارة الأزمات التي قد تواجهها، ومن أحدث شواهدها ما حدث ليلة رأس السنة الميلادية.
حيث التزمت دبي بإكمال البرنامج الذي أعدت له رغم حريق فندق العنوان، والذي كان محل انتقاد بعض الأجانب والمحللين، معتبرين ذلك القرار جريئاً، في الوقت الذي أوقف فيه البعض الاحتفالات ورفع حالة التأهب الأمني للتصدي لعدد من الهجمات والتهديدات الإرهابية.
الغريب أن أياً من المنتقدين والحاقدين لم ينظر إلى الجانب الإيجابي للقرار الذي اتخذته دبي، والذي يعكس الالتزام والوفاء بالوعود، وهو من أهم الأسباب التي جعلت من دبي جاذبة ومفضلة للكثيرين، وهو السبب نفسه الذي جعلها تحرز قصب السبق على غيرها.
فهي كمدينة لم تخلف بوعودها في صناعة الفرح، ولم تفرط بالتزاماتها في الوقت نفسه بتوفير الأمن والسلامة لجميع من كانوا في موقع الحادث، بل إنها قدمت للعالم درساً في إدارة «الأزمات» وبمستوى أبهر الجميع بتفاصيل وسرعة تنفيذ قلما نسمع عنها حتى في الدول التي تفوق دبي كمدينة بتاريخها وحجمها وإمكاناتها.
ما الذي كان يريده العالم من دبي، أن توقف احتفالاتها وتنزع ثقتها في مؤسساتها المؤهلة، أو أن تظهر للعالم بصورة لا تتناسب وحجم وعودها للسائحين والزوار بالأمن الذي تقدمه كمدينة اختارت السياحة العائلية؟
دبي تعرف ماذا تريد وفي أي طريق تمضي، وقد أعدت نفسها لذلك جيداً، ولا يمكن أن تخسر ازدهارها الاقتصادي وبريقها السياحي بسبب أزمة يمكن السيطرة عليها؟
صناعة المستقبل أمر ليس بالهين، وإن كانت دبي قد راهنت على الفوز بالمستقبل وإحراز أعلى الجوائز، فذلك لن يكون إلا بجهد، وهو ما جعلها تضيء سماء ليلة رأس السنة رغم الحريق، منقذة ومسعدة ومبهرة، فدخلت العام الجديد دون خسائر، بل كسبت ثقة ملايين آخرين بقيادتها ومؤسساتها، وقدروا لدبي كثيراً التزامها نحو الإنسان قبل المكان، فاحتلت في قلب كل إنسان أغلى عنوان.