لكم كنتم أطفالاً شجعاناً. انتظروا، لا تفركوا أعينكم بهذه الطريقة. لا تقلقوا لكمّ الدماء التي تغطي وجوهكم، ولا لبصمات أرجلكم الحمراء النازفة المطبوعة على الأرض، فبالإمكان تنظيفها تماماً، أرأيتم؟ ها قد اختفت الآن.
يلعب الأولاد بمعظمهم الغميضة، هل تعرفونها؟ كلا؟ لا بأس عليكم يا أطفال حلب، فأنا سأخبركم عن اللعبة. الغميضة هي لعبة للأولاد، حيث يغمض أحدهم عينيه ويعدّ حتى العشرة بانتظار أن يختبئ بقية الأولاد. وآخر ولد يعثر عليه هو الرابح. لقد شاركتم في لعبة مماثلة، أليس كذلك؟ الفارق الوحيد هو أن اللعبة لم تنته بعد، وأن رفاقكم الصغار الآخرين لا يزالون مختبئين، أليس كذلك؟
هل يمكنكم إخبارنا عن مكان اختبائهم لنعثر عليهم أولاً، قبل أن يفعل مغمض العينين؟
كفوا رجاءً عن لمس الجروح على وجوهكم، ليس هناك ما تخشونه، فتلك ليست إلا دماء. والعديد من الأطفال أقرانكم يستخدمون الطلاء الأحمر لتلوين وجوههم، لاسيما في حفلات أعياد الميلاد والمناسبات. ألم يسبق لكم أن لوَّنتم وجوهكم؟ ألم تفعلوا؟ لا بأس؛ فليس يفوتكم الكثير؛ فالطلاء الأحمر تماماً كالدماء، لا بل إنه يزول بالغسيل بشكل أسهل.
ما رأيكم بلعبةٍ أخرى الآن؟ أو ماذا لو أخبرت بقية العالم قصتكم؟ ألا تحبون القصص يا أطفال حلب؟ سأخبر العالم قصتكم، لكن عليكم أن تغلقوا آذانكم، اتفقنا؟ لأن أحداث القصة تدور على الشكل الآتي: حدث في قديم الزمان، أن كان هناك أطفال بغاية الشجاعة، أغلقوا آذانكم قلت، وتوقفوا رجاءً عن العبث بجروحكم. ليس هذه إلا دماء، وستزول بالغسيل. دعوني أبدأ قصتي مجدداً.
ذات مرة في قديم الزمان، كان هناك أطفال شجعان يعيشون في حلب. كانوا بعمر الرابعة أو الخامسة أو السابعة ربما، حين قضى العالم على براءتهم، وسرق طفولتهم. لقد أمضى هؤلاء السنوات الأولى من حياتهم في ساحات الحرب، بدلاً من قاعات الصفوف. كانوا يهربون من القصف، بدلاً من رذاذ الرشاشات المائية. كانوا مغمورين بالدماء بدلاً من الحب، وملفوفين بالخوف، بدلاً من العطف.
يا لكم من أطفال شجعان، يا أولاد حلب. أرأيتم. لقد انتهى كل شيء الآن. الدماء البيوت والطفولة. ها قد اختفت برمتها. لم يبقَ من شيء تقلقون بشأنه، أيا أولاد حلب. لا شيء البتة.