عندما تزلزلت بيروت جرّاء الانفجار في مرفئها، اهتز العالم بأسره؛ اهتزت القلوب والمشاعر، لا شك في أنها مدينة يحبها الناس، وقد تشعر بأنك هناك في بيروت، وقد تقفز إلى ذهنك كل تلك التفاصيل البيروتية الصغيرة، تلك الصباحات الندية، ونسمات الصباح اللطيفة الباردة، المقاهي التي تشرع أبوابها مبكراً، رائحة القهوة التي تعبق في المكان، ورائحة الخبز الطازج التي تخرج من عند الفرَّان، المطاعم والمقاهي التي تنتشر في كل زاوية والتي تصدح منها أغاني فيروز وصباح فخري، الشوارع الخلفية والأزقة، والتي تقودك دوماً صوب البحر الذي تستلقي على شاطئه المدينة كحسناء فاتنة، يضج الذهن بكل تلك الصور التي تحمل أجمل الذكريات في بيروت.

بيروت واحدة من تلك المدن التي تتوغل في الأعماق، فتقع في غرامها من أول نظرة، فلا تستطيع نسيانها بعدئذٍ، مدينة يحزننا حزنها ويبكينا بكاؤها ونتألم إذا اشتكت وتضحكنا كلما فرحت.

لم تفلح المآسي المتلاحقة التي تعصف بالمدينة الوادعة في محوها من الذاكرة، تاريخها عريق يمتد في أعماق الزمن، ولكنها رغم المآسي المزمنة التي ابتليت بها تبقى مدينة الحب والجمال، وتبقى مدينة تحب الحياة، تضج بالحياة وبالناس برغم كل شيء، الحياة في كل شيء حتى في الفراغ، مدينة تختار الفرح، فتسمع صدى الضحكات تجلجل في المكان، أصوات الناس وضجيجهم، حب الحياة يتجسد في وسط البلد، في الساحات، في ساحة الشهداء، وساحة النجمة، في الأشرفية، في زقاق البلاط، في شارع الحمرا وعلى الكورنيش أمام صخرة الروشة التي تشبه رأس صياد فينيقي وقف ذات يوم قبالة هذا الشاطئ فأغرته تلك الصخور بتشكيلاتها، فقرر أن يبني عليها قصراً، ومنذ ذلك الحين صارت لبنان ابنة البحر وموطن الفينيقي الذي انطلق منها لاكتشاف العالم.