وعندما توقف السفر، بسبب الإجراءات الاحترازية، قد تجد نفسك مسافراً افتراضياً، مبحراً لأيام في سفينة الكتاب، لتأخذك بعيداً بعيداً، بين دفتي كتاب، كل يوم في كتاب، متنقلاً بين الصفحات، تقفز من فكرة إلى فكرة، متوغلاً أحياناً في أزقة اللغة، وفي شوارع الأدب، وقد تتسكع بين السطور، وتختفي بين الكلمات المرصوفة، التي تعبر عليها لمشاهدة العالم، وتسبر أغوار المجهول، وتتعرف إلى الذات، وترتقي بالمعرفة، ومشاهدة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، كأنه سحر، بل هو السحر بعينه، فقد يسلبك كتاب عقلك، ويعيده إليك مع بعض التحسينات، ومزيد من المعرفة، تلك القراءة التي تجعل الحياة أكثر عمقاً، وتهذب الوجدان، وتجعل للإنسانية معنى، وتعرفنا بالعالم.

وبينما تقرأ، قد تشعر بأنك مبحر، تتهادى فوق أمواج البحر الهادئة، وقد تلهمك بعض الكلمات، فتقرأ بصوت مرتفع، وعندما تكون الكلمات شاعرية، تصدح بالشعر طرباً، وقد تهمس بكلمات الحب شغفاً، وعندما يضطرب البحر ويرتفع الموج، يضطرب فؤادك، وقد تغضب أو تفرح، وتعيش اللحظة بكل تفاصيلها، فتشعر بأنك تعيش في تجربة للواقع الافتراضي المعزز.

وقد تعثر على بعض الأصحاب في الكتب، وقد تجد شخصيات اختفت من الحياة، لكنها انتقلت للعيش في صفحات الكتب، قد لا تعرف الكاتب، أو لا تذكر اسمه، لكنك تعرف الشخصيات، وتتعايش معها، وتدخل معترك مغامراتها واكتشافاتها ورومانسيتها ورحلاتها، وتسمع الموسيقى التي يسمعونها، وتشعر بالحزن لحزنها، أو الفرح لفرحها، تشعر بأنك دخلت في عالمها لتعيش في الكتاب.

وقد تعثر على شخصياتك التي ابتكرتها يوماً، باباتونغا، فيتورياهيغا والدكتور كريتشر، وذلك المغامر أو الرحّال الذي لم تعرف اسمه، فتستعيد معها ذكريات الماضي، والمغامرات التي عايشتها برفقتها، تشاركها همومك، وتضحك معها على المواقف الطريفة أو الصعبة التي وقعت بها، يا لها من رحلة، يا له من سفر جميل، ربما يكون أجمل سفر في هذا العصر.