قبل مدة جاءني اتصال من إحدى المدارس بهدف تقديم محاضرة لطلاب المدرسة في المستوى الثانوي، وتكون المحاضرة حول الحفاظ على الهوية الوطنية والسنع ونحوها من الجوانب الجميلة، وافقت كالعادة دون شروط، ولكني بعد إنهاء المكالمة تفكرت، وقلت في نفسي: «أنت تتحدث عن السنع !»، فعاودت الاتصال بالمتصل، وقلت:
سأقدمها، ولكن ما رأيكم في أن يقدّم جزءاً من المحاضرة أحد كبار المواطنين؟ ما رأيك لو جئنا جميعاً وجلسنا حوله وهو يحدثنا عن الماضي، كيف قامت هذه الدولة وكيف كان أهلها وما هو السنع والعادات؟ وكيف وصلنا بعد توفيق الله لهذه الحال؟ نعم قد يقول قائل:
ولكن هذا الجيل بحاجة إلى شاب يحدثهم بلغة قريبة من سنهم، يفهم توجهاتهم وبذلك تتحقق الفائدة المرجوة، وهذا القول حق وفيه مصلحة لا نختلف عليها إلا أن القصد هو تفعيل دورهم واستمرار دمجهم في المجتمع إن كان الهدف هو تذكير الأجيال بالماضي والسنع، سيكون جميلاً لو جعلنا المواطن الكبير في الصدارة في هذا الموضوع لأنه الخبير لا ينافسه منافس، وكما قيل: أعطوا القوس بارئها.
ما زلت حريصاً على التأكيد على أهمية الاستفادة من كبار المواطنين، هم البركة والتاريخ، ما زلت أعشق إذا رأيت كبيراً في السن أن أوجه له أسئلة تخص الماضي، فهم يذكروننا دائماً بالماضي الجميل لهذه البلاد، كيف كانت؟ وكيف صارت؟!
ودور هذه الأجيال في الحفاظ على المكتسبات والتاريخ والهوية، وكما قال الشيخ زايد، طيب الله ثراه، «لا حاضر لمن لا ماضي له». ومن جميل ما قيل في الاعتزاز بالماضي وإكرام الأولين ما قاله الشاعر العربي الجاهلي عمرو بن كلثوم: ورثناهنّ عن آباء صدق ونورثها إذا متنا بنينا.
لكل بناء أساس وأساس حضارتنا في حفاظنا على هويتنا وفي تقديرنا لأصحاب ذاك الزمان وهم كبار المواطنين، هم المؤسسون الذين تحملوا كثيراً من الصعاب حتى تأتي الأجيال بعدهم وهم في خير ورفاهية وعز.
نقدرّهم ونعلّم أبناءنا احترام الكبير وتبجيله وتقبيله على رأسه احتراماً له، لا نجعلهم يشعرون أنهم في بعد عنا، عنايتهم ومراعاة التغيرات الصحية التي تحدث مع تقدّم السن، نوجه الرسالة للموظفين والعاملين بإكرام كبير السن ومساعدته في تقديم طلباته، لا نضيّق عليهم في حقوقهم بحجة أنهم لا يعرفون كيفية تقديم الطلبات الرقمية والخدمات الذكية بل ننهض لراحتهم ونعاونهم في كل ما يحتاجونه وفقاً للنظم واللوائح المعمول بها، هذا هو جزاء الإحسان. هناك مبادرات عديدة مشكورة جداً ولها الأثر الكبير في إدخال السرور في قلوبهم سواء على مستوى المؤسسات الحكومية أو الخاصة، وهذا أمر نحمد الله عليه مع شكرنا لجميع الجهود المبذولة.