Al Bayan
today-time11 شوال 1446 هـ ، 9 أبريل 2025 م
prayer-time

«وَتَكُونُوا مِنْ بَعْدِهِ قَوْمًا صَالِحِينَ»

كلنا قرأ قصة نبي الله يوسف، عليه الصلاة والسلام، وكيف ابتلي بحسد الإخوة له، وما أصعب الحسد إذا دخل في البيت أو في العلاقات الاجتماعية بشكل عام.

إخوة يوسف لم يبادروا بخطة التخلص من أخيهم من أول مرة، بل كانت هناك علامات قديمة لسوء نظرتهم لأخيهم يوسف، وما يدل عليه أن يوسف عندما رأى الرؤيا وقصها على والده نبي الله يعقوب، قال له: «قَالَ يَا بُنَيَّ لَا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَىٰ إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا»، وهذا واضح أن الأب لاحظ عليهم عدة أمور تجعله في خوف على ابنه يوسف من كيدهم، ومما نستنتجه من هذه القصة أن تأخرهم لتنفيذ الخطة دليل على ترددهم وتخوفهم، والشخص إذا تردد بحث عن مبررات ومعززات تعزز له السلوك المقدم عليه، فكانت إحدى المبررات قولهم: «وتكونوا من بعده قوماً صالحين».

أي: هي مرة واحدة فقط، تخلصوا منه ثم ستتوبون ولن يطّلَع على ذلك أحد وبذلك تحققت الغاية، والمبرر الثاني تهوين الجريمة كونهم وافقوا على إلقائه في الجب بدلاً من قتله، وبعض الشر أهون من بعض.

التبرير عدو التغيير، التبرير إحدى الوسائل لترسيخ الخطأ، وأذكر في إحدى المرات قمت بإلقاء محاضرة في إحدى الجهات العقابية، وكان من ضمن الحضور عدد من المحكوم عليهم بسبب المخدرات، فتطرقت لمسألة التدرج قبل الجريمة في النفس البشرية، لذلك قال الله «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ»، ثم قال لي أحدهم بعد الانتهاء من المحاضرة الجماعية: مشكلتي عند بدايتي في المخدرات أني أعطيت لنفسي الحق في التعاطي، خصوصاً أنني نشأت في أسرة مشتتة، والدي تزوج من امرأة أخرى وهجرنا ونحن صغار، فقلت في نفسي لا يوجد ما يمنعني من التعاطي، وهو حق لي بما أني نشأت بصورة غير طبيعية، وهذا كنت أسمعه أيضاً من أصدقائي الذين عاشرتهم في هذا المجال.

نعم أغلب من وقع في شباك التعاطي مثلاً، تعامل معها أنها مرة ثم سيتوب، يرغب بالتجربة لدافع الفضول فقط، يقول في نفسه، هي مرة واحدة ولن يطَّلع على سري أحد، وكذلك ينطبق الحال مثلاً على جريمة غسيل الأموال أو الرشاوى ونحوها، وليس هو الذي يقول ذلك في نفسه فقط، وإنما من حوله من أصدقاء السوء إلى أن يقع في التجربة، ومن بعد التجربة الأولى تأتيه الخطوات الثانية والثالثة والرابعة إلى حد الإدمان.

لذا النصيحة بأن يبعد الإنسان نفسه عن مواطن وأسباب الفساد قدر المستطاع، يجنّب نفسه البلاء ولا يعطيها هواها بدافع الفضول أو التبرير بسبب ظروفه، كون الجريمة لا تبرّر إذا تحققت أركانها، لذا فلنحذَر ولنحذِّر من يهمنا أمرهم من عدم الانجراف نحو الخطأ وتزيينه بالمرة الواحدة بما أن الفعل مجرّم ولا يقبل التجزئة.

رئيس قسم التوجيه والإصلاح الأسري في محاكم دبي