يعد برنامج الجينوم الإماراتي من أكبر المشاريع الوطنية الصحية والذي يهدف إلى استخدام البيانات الجينية الوراثية لمواطني الدولة، وتحليلها والاستفادة منها في تحسين الصحة العامة وتزويد المواطنين بجينوم مرجعي خاص ودمج البيانات الجينية بقاعدة البيانات الخاصة بإدارة الرعاية الصحية، ويستخدم البرنامج تقنية متواليات متقدمة لإيجاد قاعدة بيانات جينوم، كجزء من الرعاية السريرية بهدف تعزيز الوقاية من الأمراض الوراثية والمزمنة مثل: السمنة والسكري وضغط الدم وأمراض السرطان والربو والوصول إلى علاج شخصي لكل مريض حسب العوامل الوراثية من خلال استخدام العلوم الجينية والتقنيات الحديثة المبتكرة حول التنميط والتسلسل الجيني للتعرف إلى البصمة الجينية.

يسهم برنامج الجينوم الإماراتي في توقع قابلية الإصابة ببعض الأمراض من خلال قراءة الجينوم الكامل، ووضع خطة علاجية ووقائية للمجتمع بناء على نتائج التحليل الجيني للمواطنين وسيتم الاستفادة من نتائج البرنامج في تطوير علاجات وفحوص جديدة تُمكن العاملين في مجال الرعاية الصحية من توفير عدة خيارات للتشخيص والعلاج الطبي، بالإضافة إلى تقديم برامج مخصصة ووقائية مصممة وفقاً للتركيب الجيني للفرد.

وكشف مجلس الإمارات للجينوم أن أبرز النتائج التي توصّلت إليها دراسة الجينوم المرجعي الإماراتي الكشف عن أكثر من خمسة ملايين متغير جيني مما سيسهم في فهم أعمق للعوامل الجينية المرتبطة بالأمراض الوراثية، كذلك تم إطلاق منصة الجينوم المرجعي الإماراتي التي توفّر نتائج الدراسة للأطباء والباحثين وتتيح لهم فهم التركيب الجيني للمواطنين بشكل أفضل.

وقد تمكن الباحثون المشاركون في أحدث دراسة وطنية من خلال تحليل 50 ألف عينة جينية، من اكتشاف 5,296,683 متغيراً جينياً، تمثّل 12 % من المتغيرات الوراثية الجديدة وغير المكتشفة في خريطة الجينوم الإماراتي، وسوف تُسهم هذه النتائج الواعدة في إنشاء مرجعية جينية تشكّل ركيزة أساسية لفهم الأساس الجيني للصحة والأمراض في دولة الإمارات بشكل أفضل، مع فتح آفاق جديدة في علم الصيدلة الجينية، وتعزيز جهود البحث والتطوير والابتكار في مجالات بحثية جديدة.

وتُعد هذه الدراسة، الأولى من نوعها على مستوى العالم من حيث التركيز على التنوع الجيني في المنطقة العربية، وهو ما يزيد من أهميتها الاستراتيجية وقيمتها العلمية؛ حيث تعتمد 90 % من الدراسات الجينومية التي تم إجراؤها عالمياً على أشخاص من أصول أوروبية. كما تتميز هذه الدراسة بنهجها المبتكر في تحليل التسلسل الجيني الكامل، وتغطيتها العديد من الفئات السكانية محل الدراسة.

الجينوم المرجعي
ويأتي إطلاق منصة الجينوم المرجعي الإماراتي، التي طوّرتها دائرة الصحة – أبوظبي، بالتعاون مع جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا، وشركة M42، لتمثل التركيب الجيني لأكثر من 140 ألف مواطن وهي أكبر مجموعة في الشرق الأوسط حتى الآن، لتوفير بيانات ونتائج الدراسة للأطباء والباحثين لمساعدتهم على تحديد عوامل مخاطر الأمراض الوراثية الشائعة بين المواطنين وتسريع وتيرة تطوير حلول الرعاية الصحية الشخصية والوقائية. كما تُسهم هذه البيانات الحيوية في تطوير سياسات الصحة العامة والبرامج التي تعزز صحة وجودة حياة أفراد المجتمع.

توسيع العمليات
تمكّن برنامج الجينوم الاماراتي من جمع وتحليل أكثر من 600 ألف عينة جينية، محققاً 60 % من هدفه المتمثّل في جمع مليون عينة. ويستمر البرنامج في توسيع عملياته وتحقيق مستهدف البرنامج في جمع مليون عينة جينية، كما نجح في تدريب أكثر من 1000 من الكوادر الطبية الوطنية لدعم البرنامج في المراحل القادمة.

من جهة أخرى، كشف تقرير للمركز العربي للدراسات الجينية، التابع لجائزة حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية، أن الإمارات أكثر الدول الخليجية اهتماماً بالبحث في المسببات الجينية للأمراض النادرة. وأوضح التقرير، أن الدولة وضعت 87 سجلاً تناولت الأعراض السريرية للأمراض النادرة في مقابل 46 سجلاً رصدت المسببات الجينية لها.

وقال عبدالله بن سوقات، عضو مجلس أمناء جائزة حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية: يعتبر التقرير دراسة تحليلية للبحوث الصادرة من الدول العربية حول الأمراض النادرة، وهي الأمراض التي يقل معدل انتشارها عن 10 لكل 100 ألف مولود على قيد الحياة، ويستند التقرير إلى البيانات المنشورة في قاعدة بيانات فهرست الأمراض الوراثية لدى العرب، التي يتم تحديثها بصفة دورية وفقاً لأحدث البحوث والدراسات المنشورة في الدوريات العلمية المحكمة عالمياً لتصبح على مدار أكثر من 10 سنوات أكبر قاعدة بيانات جينية للشعوب العربية على مستوى العالم.

واستعرض التقرير البحوث الصادرة من الدول الخليجية حول الأمراض النادرة، حيث رصدت قاعدة بيانات الأمراض الوراثية لدى العرب، قلة عدد سجلات المسببات الجينية للأمراض النادرة مقارنة بالسجلات السريرية التي تتناول أعراض هذه الأمراض، إلا أن السعودية والإمارات أبدت كل منهما إيجابية أكثر في البحث عن المسببات الجينية للأمراض النادرة. ففي السعودية، رصدت قاعدة البيانات، 83 سجلاً تناولت الأعراض السريرية للأمراض النادرة مقارنة بـ57 سجلاً تناولت المسببات الجينية للمرض. وبالنسبة للإمارات تم رصد 87 سجلاً تناولت الأعراض السريرية للأمراض النادرة مقابل 46 سجلاً رصدت المسببات الجينية لها.

أما عن البحوث الصادرة عن الدول الخليجية الأخرى مجتمعة، بما فيها قطر وعُمان والكويت والبحرين، فقد تم رصد 350 سجلاً حول الأعراض السريرية للأمراض النادرة مقابل 49 سجلاً فقط حول المسببات الجينية للإصابة بالأمراض النادرة. وأشار التقرير، إلى أن هذا الواقع لا ينطبق على الأمراض النادرة فقط، إنما ينطبق على كافة الأمراض الجينية المدرجة في قاعدة البيانات التي وصل إجمالي عدد السجلات المدرجة فيها إلى 1870 سجلاً يختص كل منها إما بمرض معين أو بجين ما.

كما يمكن أن يتضمن كل سجل من هذه السجلات عدداً من الأبحاث التي تصب بياناتها في الموضوع الخاص بالسجل. وعلى الرغم من أن نسبة السجلات في قاعدة البيانات حول المسببات الجينية للأمراض لم تتعدَّ نسبة الثلث، فإن نسبة السجلات السريرية التي تتناول النمط الظاهري للمرض تستحوذ على الثلثين الباقيين، فيما تعتبر 75 % من الأمراض النادرة تصيب الأطفال، والاضطرابات الجينية هي السبب الرئيس وراء الإصابة بمعظم هذه الأمراض.

وأكد معالي حميد محمد القطامي، رئيس مجلس أمناء مؤسسة حمدان بن راشد آل مكتوم للعلوم الطبية والتربوية، أن الإمارات تسعى إلى تعزيز الاستثمار في البحوث والدراسات، وتشجيع الشباب على الابتكار والبحث العلمي، وتهتم بهذا النوع من الاستثمار تحقيقاً لاستراتيجيتها في الاستدامة وتحقيق حياة صحية طويلة ومتجددة والارتقاء بجودة الحياة التي تعتبر من أولويات استراتيجية حكومة دولة الإمارات العربية المتحدة. وأشارإلى أن الاستثمار في الصحة، والوقاية، الخطوة الأولى نحو بناء مجتمعات صحية ومزدهرة، مؤكداً أهمية دعم وتشجيع البحث العلمي والطب القائم على البراهين والأدلة العلمية، فهما الأساس لتقديم الرعاية الصحية ذات الجودة وتحقيق التطور في مجالات الطب والكيمياء السريرية والطب الجيني.

وكشفت وزارة الصحة ووقاية المجتمع، أن خطتها تتضمن توسيع نطاق فحوص ما قبل الزواج؛ لتشمل إضافة فحص 600 جين مسبب للأمراض الوراثية لدى الأبناء، بهدف تعزيز استقرار الحياة الزوجية، ومنع العوامل المسببة لأمراض وعلل في الأجيال القادمة بسبب الجينات الوراثية.

وأعلنت الوزارة أن مختبراً مرجعياً تابعاً لها، يتولى فحص جينات الأمراض الوراثية، لدى المقبلين على الزواج، مشيرة إلى إمكانية القيام بذلك بالتعاون مع مختبر خاص، شريطة أن تتولى الوزارة الإشراف على الفحوص وتوفير الكوادر الطبية والتمريضية للقيام بعملية الفحص.

وقال الدكتور حسين عبدالرحمن الرند، وكيل الوزارة المساعد لقطاع الصحة العامة: إن الأمراض الجينية تشمل انيميا الدم وبعض الأمراض الأخرى المنتشرة في الدولة، لافتاً إلى وجود 7 مراكز صحية تتبع الوزارة تقدم حالياً فحوص ما قبل الزواج الإلزامية لكافة المقبلين على الزواج تهتم بأكثر الأمراض المعدية والوراثية شيوعاً في دول الشرق الأوسط، وتشمل أمراض الدم الوراثية، فصيلة الدم والثلاسيميا وفقر الدم المنجلي وإخلافات الهيموجلوبين، أما فحوص الأمراض المعدية والمنقولة جنسياً فتضم الإيدز والتهاب الكبد الوبائي «ب، ج» والزهري، بالإضافة إلى المناعة ضد الحصبة الألمانية للمرأة.

وقالت الدكتورة مريم محمد مطر، المؤسس ورئيس جمعية الإمارات للأمراض الجينية إن المؤتمر الدولي للقمة الـ26 للكيمياء السريرية والمخبرية الذي أقيم في دبي، كشف أن 3 إلى 6 % من المواليد الجدد يعانون من اضطرابات خلقية، مشيرة إلى أن هناك العديد من العوامل التي تؤثر على تطور الاضطرابات الخلقية، بما في ذلك الاستعداد الوراثي، صحة الأم، التعرض البيئي والعوامل الاجتماعية والاقتصادية.

ولفتت الدكتورة مريم إلى أن الإمارات تمكنت ولأول مرة من الإعلان عن سلسلة نماذج متعددة الوسائط للذكاء الاصطناعي قادرة على التنبؤ بالعمر، وتوليد البيانات البيولوجية الاصطناعية، واكتشاف الأهداف، ونمذجة الأمراض، والعديد من المهام الأخرى.

وقالت رئيسة جمعية الإمارات للأمراض الجينية، إن الجمعية قدمت خدمات لأكثر من 33 ألفاً و282 مستفيداً في المجتمع الإماراتي، كما أسهمت في إقرار ستة تشريعات مهمة عن الأمراض الجينية.

وأضافت: «نحن أول من بادر بالمسح الوطني للخريطة الجينية في الإمارات، كما أن الجمعية تعد أول مؤسسة على مستوى الخليج والوطن العربي، طرحت علم فوق الجينات والشيخوخة، كما نُعد أول من تكلم عن الطب الشخصي، لأن هدفنا الأساسي أن يظل الإنسان بحالة صحية جيدة، بما يسهم في إطالة متوسط العمر»، مؤكدة أن توجيهات معالي الشيخ نهيان بن مبارك آل نهيان، وزير التسامح والتعايش الرئيس الأعلى لجمعية الإمارات للأمراض الجينية، تركز على فئة الشباب والجامعات والكليات، لرفع الوعي لديهم، وتمكينهم من أدوات الوقاية.

الفرق بين «الوراثي» و«الجيني»
وأوضحت مطر أن هناك فارقاً بين المرض الوراثي والمرض الجيني، فالمرض الوراثي يحدث للطفل نتيجة انتقال الطفرة الجينية من أحد الأبوين، أما المرض الجيني فيعني أن الطفل هو أول شخص يحمل تلك الطفرة، محذرة من المكملات الغذائية، وما يتردد حولها بشأن تعديل الأنزيمات.

وأكدت أهمية التأثير الجيني للأصول الإنسانية والجنس الإنساني، فالمرأة غير الرجل، لأن هناك خمسة أيام مرتبطة بهرمونات أنثوية يجب عدم اتخاذ مكملات غذائية فيها، على عكس الرجل الذي قد يستخدمها أثناء الرياضة، ومن ثم لا بد من مراجعة الطبيب قبل اللجوء إليها، مشيرة إلى أن الجامعات، تلعب دوراً حيوياً في تطوير القواعد البيانية الجينية، ولا سيما في دولة الإمارات التي تسعى جاهدة إلى تعزيز قدراتها في مجال الأبحاث الطبية الحديثة، مما أثمر حزمة من الدراسات والأبحاث ساهمت وما زالت في كشف الأساس الجيني لهذه الأمراض، وأبرزها السكري، والسمنة وأمراض القلب والأوعية الدموية والزهايمر، بجانب تطوير طرق تشخيص علاج فعالة، مما يساهم في تحسين نوعية الحياة للأفراد وعائلاتهم.

وأكد عدد من الأكاديميين أن الإمارات تولي اهتماماً كبيراً بمكافحة الأمراض الجينية من خلال برامج الفحص الجيني والتوعية الصحية للحد من انتشار هذه الأمراض وتحسين جودة الحياة للمصابين بها، لافتين إلى أن هناك 3 تحديات رئيسة تواجه السيطرة على هذا النوع من الأمراض وهي: نقص الوعي المجتمعي بخطورة هذه الأمراض، وارتفاع تكلفة العلاج، ونقص الأبحاث التي تقود إلى فهم آليات الأمراض الجينية بشكل أفضل وتطوير علاجات جديدة.

وقالت البروفيسورة حبيبة الصفار، عميد كلية الطب والعلوم الصحية في جامعة خليفة للعلوم والتكنولوجيا: تُعد الدراسات الجينية للأمراض الشائعة من الأولويات البحثية في مركز التكنولوجيا الحيوية بالجامعة، وذلك بهدف كشف الأساس الجيني لهذه الأمراض وتطوير طرق تشخيص وعلاج فعالة، لافتة إلى التركيز على مرض السكري من النوع الأول والثاني ومضاعفاتهما حيث يشكلان تحديات صحية كبيرة في المنطقة، كما شملت الأبحاث العوامل الجينية التي تؤثر فـي قابلية الإصابة بالأمراض المرتبطة بالسمنة ونقص فيتامين د، وهشاشة العظام والتي تعتبر من المشاكل الصحية المهمة على المستوى المحلي.

أبرز النتائج
وحول أبرز النتائج والحلول للدراسات والأبحاث التي أنجزت حول الأمراض الجينية الإماراتية، أشارت الدكتورة حبيبة الصفار إلى أن هذه الأبحاث تقودنا إلى تحسينات واعدة في مستقبل النظام الصحي في الإمارات، حيث تساهم في وضع استراتيجيات متخصصة للتعرف المبكر وإدارة الأمراض المزمنة ذات الأساس الجيني، بما في ذلك أمراض الدم والأورام السرطانية.

وأردفت: البيانات الجينية تُسهم أيضاً في تعزيز برامج الفحص الوقائي، مما يمكّن من تحديد الأفراد الذين يحملون طفرات جينية تزيد من خطر الإصابة بأمراض معينة، وبالتالي توفير الفرصة لتدخلات مبكرة ومستهدفة، إضافةً إلى ذلك، يتم الاستفادة من هذه المعلومات في تحديد العلاجات التي من المحتمل أن تكون أكثر فعالية لكل مريض بناءً على تركيبه الجيني الفريد، ومع ذلك، ما زال العمل قائماً على تطوير قاعدة بيانات جينية شاملة للسكان في الإمارات، والتي من شأنها أن تعزز قدرتنا على تطوير استراتيجيات وقائية وعلاجية أكثر دقة في المستقبل.

وأجرت جامعة نيويورك أبوظبي دراسة عنوانها «مستقبل صحي للإمارات»، وقال الدكتور يوسف إدغضور، الأستاذ المشارك في علم الأحياء، إن هذه الدراسة هي أول دراسة جماعية طويلة المدى في الدولة، وأجريت على 15000 مواطن تبلغ أعمارهم 18 عاماً فما فوق من جميع أنحاء الدولة، بهدف تحديد عوامل الخطر المختلفة، البيئية والجينية على حد سواء، وتقييم تأثيرها على نتائج المرض.

وأضاف إن الدراسة تسعى إلى صياغة استراتيجيات وقائية مصممة خصيصاً لمواطني الدولة، وتتفاعل مع العديد من الهيئات الحكومية والعيادات والمراكز الصحية والجامعات والشركاء في نظام الرعاية الصحية، مشيراً إلى أن الدراسة احتفلت مؤخراً بإكمال المرحلة الأولى منها والتي سجلت المجموعة الأولية وتوصيفها، على أن تستكمل مرحلتها الثانيةهذا الشهر.

وأضاف: أظهرت بيانات الدراسة على المشاركين أن انتشار متلازمة التمثيل الغذائي، التي تعرف بأنها كوكبة من عوامل خطر الإصابة بأمراض القلب والأوعية الدموية، تصل إلى 36,6 % - 44.0 % وفقاً لفريق علاج البالغين، ومبادئ الاتحاد الدولي للسكري، مع ارتفاع معدلات الإصابة بين الإناث مقارنة بالذكور، وأظهرت النتائج أن عوامل الخطر الأكثر صلة بالتنبؤ بانتشار متلازمة التمثيل الغذائي هي العمر ومؤشر كتلة الجسم وتاريخ الأسرة.

وتابع الدكتور يوسف إدغضور أن بعض نتائج الدراسة أظهرت ارتباطاً كبيراً بين مؤشر كتلة الجسم ومستويات حمض اليوريك وكذلك مع مستويات الفيتامين د.، كما كشفت وجود علاقة ترابطية بين ارتفاع معدل شحميات الدم والسمنة مع عوامل الخطر الأخرى في أكثر من 70 % و50 % من المشاركين في الدراسة على التوالي، مشيراً إلى أن المرحلة الحالية والتالية من الدراسة تعمل على تحليل المزيد من بيانات الكيمياء السريرية «مثل معدلات الفيتامين د» بالإضافة إلى البيانات الجينية والميكروبيوم الفموي، وهي بيانات بدأت الدراسة بجمعها وتحليلها حالياً.

مكافحة الزهايمر
وأجرت جامعة أبوظبي دراسة حول التحديات الجينية ومكافحة مرض الزهايمر في الدولة عنوانها «الاستيعاب الميكانيكي للدور المحتمل لمركبات البوليفينول الغذائية وتركيباتها النانوية في إدارة مرض الزهايمر» ونشرت في مجلة الطب الحيوي والعلاج الدوائي بدائرة «ساينس دايركت».

وقال الدكتور عبدالمجيد بن غنيمان المطيري أستاذ مساعد في علم المناعة والأمراض الميكروبية في الجامعة إن مرض الزهايمر هو أحد الأمراض العصبية التنكسية الذي يؤثر بشكل أساسي على الذاكرة والقدرات الإدراكية، ويزداد انتشاره بشكل ملحوظ مع تقدم العمر، وقد أظهرت الدراسات أن العوامل الجينية، مثل التغيرات في «جين البروتين الشحمي 4»، تزيد من خطر الإصابة وخصوصاً في دولة الإمارات التي تشهد زيادة ملحوظة في عدد الحالات نتيجة الرفع من مستوى الوعي بأعراض المرض والكشف عن الحالات الأكثر عرضة للإصابة، ولذلك يعتبر مرض الزهايمر قضية صحية متزايدة الأهمية في دولة الإمارات ولا سيما مع تزايد التعداد السكاني.

وأضاف: وفقاً للدارسة فإن مكافحة انتشار مرض الزهايمر في الإمارات تظهر اتجاهاً تصاعدياً، بسبب التحسين المستمر لمستويات الرعاية الصحية وزيادة الوعي بالمرض والعوامل الجينية المحفزة، مما يؤدي إلى تشخيص أدق وفي مراحل مبكرة، كما خلصت الدراسة إلى أن التقدم في العمر يلعب دوراً كبيراً في زيادة معدلات الإصابة، مما يستدعي استجابة فورية من نظام الرعاية الصحية في الإمارات، بما في ذلك توفير المزيد من الأدوات والبرامج التشخيصية للحد من انتشار المرض وبناء حلول علاجية مناسبة للمرضى وأسرهم.

وتابع: إن فهم الأساس الجيني لمرض الزهايمر يمكن أن يساهم في تطوير استراتيجيات وقائية وعلاجية مستهدفة تعود بالنفع على سكان الإمارات.

بحوث جينية
وقال الدكتور ربيع حلواني، أستاذ علم المناعة، مدير معهد أبحاث العلوم الصحية والطبية بجامعة الشارقة، أن على الجامعات العمل على إجراء البحوث في مجال الأمراض الجينية، لأنها تلعب دوراً مهماً في تقدم التعليم والبحث العلمي، كما أن إجراء البحوث في الأمراض الجينية يساهم في فهم الأسباب الوراثية للأمراض وتطوير العلاجات والتدابير الوقائية وبالتالي.

وقال إنّ إجراء البحوث في مجال الأمراض الجينية له أهمية كبيرة على عدة مستويات، منها فهم آليات الأمراض من خلال دراسة الجينات المتورطة في تلك الأمراض، وفهم كيفية تطورها، وتطوير التشخيص المبكر والدقيق، كما أن تلك الأبحاث الجينية تتيح تطوير اختبارات جينية يمكنها تحديد الأشخاص الذين يحملون طفرات جينية معينة تزيد من خطر الإصابة بأمراض محددة.

كما يساعد فهم الأساس الجيني للأمراض، على تطوير علاجات مستهدفة، تستهدف طفرات جينية أكثر فعالية وأقل ضرراً مقارنة بالعلاجات التقليدية، إضافة إلى تطوير الطب الدقيق، حيث يتم تقديم العلاج والخدمات الصحية بناءً على الخلفية الجينية الفردية للمريض، الأمر الذي يؤدي إلى علاجات متخصصة وأكثر فعالية.

وأوضح أستاذ علم المناعة، مدير معهد أبحاث العلوم الصحية والطبية بجامعة الشارقة، أن الجامعة أولت اهتماماً بالغاً بالأمراض الجينية وعلم الوراثة من خلال الأقسام والتخصصات الأكاديمية، حيث تعد مادة العلوم الوراثية من أهم المواضيع الرئيسة التي يتم تدريسها في برامج البكالوريوس والدراسات العليا في كل من كلية العلوم وكليات الطب والعلوم الصحية، كما يتم تدريب الطلبة الدارسين بتلك الكليات على أحدث التقنيات في هذا المجال، لافتاً إلى أن الجامعة أنشأت مجموعات بحثية مخصصة لدراسة الخلفية الجينية للأمراض، ومنها السرطان والاضطرابات المناعية الوراثية والسكري، كما أن إدارة الجامعة ملتزمة بتقديم الدعم لهذه المجموعات بهدف فهم أفضل الأسس الجينية لهذه الأمراض وتطوير طرق علاجية جديدة لها.

مجموعة متنوعة
وقالت الدكتورة لينا ملوخ أستاذ مساعد في كلية العلوم الطبيعية والطبية بجامعة زايد، إن الأمراض الجينية في الإمارات تشمل مجموعة متنوعة من الاضطرابات التي يمكن أن تكون ناتجة عن عوامل وراثية، وبعضها قد يكون أكثر شيوعاً بسبب الزواج بين الأقارب الذي يزيد من احتمالية توريث الجينات المتنحية المسببة للأمراض. وأفادت بأن هناك 6 أمراض جينية تعتبر من بين الأمراض الجينية الأكثر شيوعاً في الدولة وهي: الثلاسيميا، داء السكري، أمراض الدم الوراثية مثل فقر الدم المنجلي، التليف الكيسي، الأمراض الوراثية المتعلقة بفقدان السمع، متلازمة داون.

بدوره قال الدكتور فارس هواري عميد كلية العلوم في جامعة ولاية جورجيا في فورت فالي بأمريكا: تعد الأمراض الوراثية تحدياً صحياً في جميع أنحاء العالم، إلا أن دولة الإمارات تبذل جهوداً كبيرة لمكافحة هذه الأمراض من خلال مختلف المبادرات والبرامج إيماناً منها بأهمية صحة المواطنين ورفاهيتهم.

وأوضح أن هناك عدة إجراءات لمكافحة الأمراض الجينية والوراثية أهمها: الاستشارة الوراثية، فحص ما قبل الزواج، تعزيز البحث العلمي في هذا المجال، تحسين نوعية حياة المرضى، تعزيز الوعي المجتمعي. وشدد على أهمية أن يتقدم الراغبون في الزواج ممن يواجهون خطر إنجاب طفل مصاب بمرض وراثي أو جيني، بفحص ما قبل الزواج من أجل تحديد ما إذا كانوا حاملين لأي جينات معيبة، هذا إلى جانب تعزيز البحث العلمي في هذا المجال من أجل تطوير علاجات جديدة للأمراض الجينية والوقاية منها.

وأشار إلى أن دولة الإمارات اهتمت بالأبحاث العلمية في مجال الأمراض الوراثية والجينية مما ساهم في تقدم المعرفة العلمية على مستوى العالم، وبفضل جهودها الحثيثة في الكشف المبكر عن هذه الأمراض وعلاجها، انخفضت معدلات الإصابة بالأمراض الوراثية في الدولة بشكل ملحوظ.

نجاح بحثي
من ناحية أخرى نجح باحثون في كلية الطب والعلوم الصحية بجامعة الإمارات وتحديداً في عام 2018 وباستخدام تقنية حديثة في التعديل الجيني تسمى كريسبر- كاس9/CRISPR–Cas9 لحذف جين من سلسلة الخلايا البشرية المستزرعة. وقد استخدم الفريق البحثي سلاسل خلوية للكشف عن آليات بعض الأمراض الوراثية الموجودة في الإمارات الأمر الذي ينبئ بإمكانية تطوير علاجات جديدة. كما استخدم الفريق الخلايا المستزرعة مخبرياً لأهداف بحثية كإضافة جين فيه خلل ما.

كما تسمح تقنية التعديل الجيني CRISPR-Cas9 التي تم تطويرها مؤخراً بإجراء تعديلات على الجينوم بما في ذلك تصحيح الجينات المعيبة أو إدخال تغييرات جينية، وتمكن الباحثون من دراسة الجين المتحور وتغييره بحثاً عن طريقة لإخماده. يُشار إلى أن الجينوم البشري المتوسط يحتوي على حوالي 25000 من جينات ترميز البروتين. تجدر الإشارة إلى أهمية هذا البحث في توضيحه أن هناك أمراضاً وراثية تنتقل أغلبيتها عبر انتقال الصفات الوراثية المتنحية وهي منتشرة بين أفراد العائلة التي فيها زواج الأقارب. ومن المرجح أن فهم الأساس الخلوي لهذه الأمراض قد يفتح أبواباً لاكتشاف وتطوير علاجات جديدة.

من جانب آخر أشاد الدكتور سيف النيادي، أستاذ مساعد في جامعة العين بحرص الإمارات على تقديم خدمات التشخيص والعلاج لمرضى الاضطرابات الجينية، فضلاً عن تعزيز الأبحاث ذات العلاقة بالأمراض الجينية، وإعداد الجيل القادم من العلماء في الدولة، لإضافة نوعية جديدة لمسيرة الدولة نحو تعزيز مكانتها كمركز بحثي رائد عالمياً في قطاع الرعاية الصحية. وأضاف: لا بد من حرص المواطنين على المشاركة الفاعلة في البرامج ذات العلاقة والتي تطلقها الجهات المعنية في الدولة لمساعدة الجهات الصحية في الدولة على رسم الخريطة الجينية المرجعية للمواطنين والتعرف على الأمراض الوراثية والطفرات الجينية لدى المواطنين، كما حدث مع إطلاق برنامج الجينوم الإماراتي، ولوضع خريطة جينية للأفراد ودمجها مع البيانات الصحية.

كما قالت ناعمة الشرهان، عضو المجلس الوطني الاتحادي: ثمة ضرورة لتأهيل الكوادر من العلماء والباحثين، الأمر الذي يعزز أهمية وتأثير النظام الصحي الأكاديمي في النهوض بمستوى القطاع الطبي في الدولة. إلى جانب تحقيق إنجازات واعدة في مجال العلوم والأبحاث والابتكارات التقنية الجينة، لنصل باقتدار إلى نتائج مهمة في اتجاه تحسين جودة وحياة المرضى. وأضافت: كما يجب دعم الدراسات الكبيرة التي من شأنها أن تدعم مستقبل القطاع الصحي في الدولة، فهذا يعد واجباً وطنياً وجزءاً بسيطاً من دور المواطن تجاه الوطن لدعمه في الدراسات والأبحاث، ولمساعدة الجهات الصحية على تعزيز سبل الرعاية للأمراض النادرة.

تشريعات رائدة
أكدت الدكتورة مريم مطر أن الدولة تعمل في إطار دولي من خلال الالتزام بالقوانين والاعتمادات الدولية مشيرة إلى أن الأدوية الجينية التي يتم اعتمادها في الدولة أثبتت مأمونيتها بالنسبة للمتلقي، ومنها على سبيل المثال لا الحصر نوع معين من الأكزيما والدواء المعروف لعلاج الأنيميا وأدوية للتعديل الجيني لنوع من أنواع الضمور العضلي، وفي ما يخص الخلايا الجذعية، أشارت إلى مركز أبوظبي للخلايا الجذعية التي استخدمها لتحسين علاج المصابين بـ«كورونا»، كما أنها تُعد أول دولة تؤسس مركزاً للاحتفاظ بالخلايا الجذعية من المشيمة إلى الحبل السري.

وأشادت الدكتورة مريم بجهود القيادة الرشيدة للدولة في إقرار تشريعات وإصدار قرارات تسهم بدورها في تحسين صحة الإنسان، موضحة أن التقرير الإنمائي للأمم المتحدة يبين أن متوسط العمر في الدولة زاد بحلول عام 2018 ليصل إلى 78 سنة، وهذا يعطي مؤشراً إلى وجود شبكة من الحماية الصحية تضمن إطالة العمر الصحي وأدوات تفعيلها وتسريعها.

إضاءة
يساعد اكتشاف المتغيرات الوراثية التي تؤثِّر على استجابة المرضى للأدوية على الارتقاء بعمليات تصنيع الأدوية، وهو ما يؤدِّي بدوره إلى التوصل إلى علاجات أكثر فعالية وأماناً.