كل مراقب للسياسات الأمريكية بإمكانه الاستنتاج ببساطة أن للرئيس الأمريكي المنتخب، جو بايدن، وجهة نظر مختلفة عن الرئيس المنتهية ولايته دونالد ترامب، فيما يخص استراتيجية الأمن القومي والعلاقات مع الدول الوازنة مثل روسيا والصين.

فريق بايدن كان واضحاً في برنامجه الانتخابي الذي دعا لإعادة التركيز على التهديدات التي تشكلها روسيا لأمن الولايات المتحدة وحلفائها، مع تلميحهم إلى إفراط ترامب في التركيز على الصين وتقليله من شأن الحزم المطلوب تجاه روسيا، سواء في الاتهامات الموجهة لها بخصوص القرصنة داخل أمريكا، أو الهجمات السيبرانية أو بخصوص الوضع في أوكرانيا.

لم ينتظر بايدن الدخول للبيت الأبيض حتى يرسم ملامح سياساته تجاه موسكو وبكين، فقد قال في تصريح بنهاية ديسمبر الماضي إن «على الولايات المتحدة أن تكيّف أولوياتها الدفاعية، على خلفية التعقيدات الاستراتيجية المتزايدة التي خلقتها روسيا والصين».

وأشار إلى أنه بحث مع خبراء في مجال الأمن القومي، التحديات الاستراتيجية المختلفة التي ستواجهها بلاده من روسيا والصين. وأضاف أنه «بدلاً من الاستثمار كثيراً في تحديث الأنظمة القديمة، علينا الابتكار وإعادة التفكير في التهديدات المتزايدة، في مجالات جديدة مثل الفضاء الإلكتروني».

وفي وقت سابق، أعلن بايدن عن خطط لصياغة نهج جديد فيما يتعلق بروسيا وإيران والصين ودول أخرى.

ودعا إلى تحديد المسؤولين عن الهجمات الإلكترونية التي استهدفت مؤسسات أمريكية في ديسمبر.

أكثر تشدّداً

العديد من المراقبين، يرون أن إدارة بايدن ستشدد سياساتها ضد موسكو وتخففها ضد بكين. هذا ما اتضح من تصريحات لبايدن في23 ديسمبر، حيث نقلت «ستيب نيوز» عنه القول إنّ الخرق السيبراني الذي استهدف أمريكا لن يمر دون رد بمجرد توليه منصبه في 20 يناير القادم، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنّ على ترامب إلقاء اللوم على روسيا، وهو أمر لم يفعله الأخير على الرغم من توجيه وزير الخارجية مايك بومبيو ووزير العدل وليام بار الاتهام إلى موسكو.

ويعتبر هجوم بايدن على روسيا ذلك أكبر تصعيد من الرئيس الأمريكي الجديد ضد روسيا منذ إعلان انتخابه.

وخلال مؤتمره الصحافي بولاية ديلاوير قال بايدن واصفاً الهجوم السيبراني: «إنها مخاطرة جسيمة ومستمرة، ولا أرى أي دليل على أنها تحت السيطرة».

وأضاف: «عندما يتم إعلامي بمدى الأضرار وهوية المسؤولين عنها، يمكنهم التأكد من أننا سنرد، وأننا سنرد على الأرجح بطريقة متكافئة»، مشيراً إلى أن «هناك خيارات عدة لن أناقشها الآن».

موسكو تترقّب

موسكو التي نفت مسؤوليتها عن الهجمات السيبرانية، تقول إنها لا تتوقّع أي تبدل في العلاقات مع أمريكا في عهد بايدن، لكنّها بالتأكيد تترقّب.

فالرئيس الروسي فلاديمير بوتين، قال قبل بضعة أيام إنه لا يتوقع أي تبدل في العلاقات مع الإدارة الأمريكية الجديدة. وأعرب في مؤتمره الصحافي التقليدي الذي يعقده في نهاية كل عام الأمل «في حل جميع المشكلات المطروحة أو على الأقل جزء منها، في ظل الإدارة» الأمريكية الجديدة.

وأضاف متحدثاً في مؤتمره الصحافي السنوي، أنه لم يتدخل متسللون روس في الانتخابات الرئاسية الأمريكية عام 2016 للمساعدة في انتخاب دونالد ترامب.

ورأى نائب وزير الخارجية الروسي سيرغي ريابكوف أن موسكو لا تتوقع «أي شيء جيد» من بايدن، معتبراً أن سياسته الخارجية ستكون موجهة بالتخويف من روسيا.

وقال لوكالة «انترفاكس» الروسية للأنباء «لا نتوقع أي شيء جيّد، هذا واضح. سيكون غريباً توقع أمر جيّد من أشخاص بنى كثيرون منهم مسيرتهم المهنية على (روسيافوبيا)».

أهمية الحوار

لكن وزير الخارجية الروسي، سيرغي لافروف، توقع أن تختار إدارة بايدن الحوار مع موسكو. وقال إنه في هذه الحالة فقط ستكون العلاقات الروسية الأمريكية قادرة على العودة إلى مسار التنمية المستدامة، وأن هذا سيكون له أثر إيجابي في المناخ العام في الشؤون الدولية، بالنظر إلى المسؤولية الخاصة لروسيا والولايات المتحدة باعتبارهما أكبر قوتين نوويتين وعضوين دائمين في مجلس الأمن الدولي من أجل الحفاظ على الاستقرار والأمن العالميين؛ خاصة في هذا الوقت الصعب الذي يمر به العالم.

ثمة توقّعات محسومة بأن إدارة بايدن ستكون أكثر تشدداً إزاء موسكو، لكن إلى أي مدى وإلى أين تتجه الأمور، سنحتاج مرور بعض الوقت لنحصل على الإجابة.