يستحيل غض الطرف، هذا الخريف، عن الأخبار السيئة حيال التحول المناخي؛ حيث هزت الفيضانات المدمرة ليبيا وسلوفينيا واليونان وهونغ كونغ، فيما يعيق الجفاف التجارة عبر قناة بنما.
هذه الكوارث الطبيعية هي جزئياً نتيجة لتسجيل درجات الحرارة العالمية أرقاماً قياسية هذا العام. وإذا لم تكن أخبار المناخ قاتمة بما فيه الكفاية، فللأسف، تبقى سياسات حماية البيئة غارقة في العراقيل والمهاترات التافهة.
في خريف هذا العام أيضاً، تراجع الاتحاد الأوروبي عن مساعيه لتشديد خطط تقليل الانبعاثات، كما أعادت ألمانيا تشغيل محطات إضافية لتوليد الطاقة بالفحم من أجل الشتاء؛ فيما يخوض وزراؤها غمار معارك مع فرنسا للحيلولة دون ترسيخ تفوقها في مجال الطاقة النووية النظيفة والتوسع فيها.
كذلك، لم يتمخض الاجتماع السنوي لصندوق النقد الدولي والبنك الدولي، الذي عقد الشهر الماضي، سوى عن صيغة سيئة من العبارات المبهمة بشأن المناخ، حيث تعهدوا بـ«التصرف بشكل جماعي، حسب مقتضى الحال، لدعم التحولات المناخية، مع مراعاة الظروف الخاصة بكل دولة». وهذا أقل بكثير من التحول المنشود تجاه التمويل اللازم لإنهاء اعتماد الدول الأكثر فقراً على الوقود الأحفوري.
وفيما يقترب انطلاق مؤتمر الأطراف «كوب 28» هذا الشهر، يعاني قطاع الطاقة المتجددة من مشكلات التمويل وسط زيادة التكاليف وارتفاع معدلات الفائدة.
ويواجه قطاع طاقة الرياح القائم الذي يتسم بكثافة رأس المال اضطرابات واضحة مع سعي شركة سيمنز للحصول على الدعم الحكومي وتخلي شركة أورستيد، وهي أكبر مطور لطاقة الرياح البحرية في العالم، عن مشروعين في الولايات المتحدة. وتبقى العواقب حتمية ووخيمة مع الارتفاع المستمر في درجات الحرارة والعجز العالمي عن مواجهة التحديات.
لكن لنتوقف للحظة. فكل ما ذكر سابقاً حقيقي ومحبط، لكنه يمثل فقط نصف القصة، إذ إننا لو تعمقنا قليلاً سنجد أن ثمة تقدم سريع نحو إزالة الكربون، ويدعم ذلك استمرار الانخفاض الحاد لتكاليف تقليص ظاهرة الاحتباس الحراري.
وفي ألمانيا، على سبيل المثال، تعرض ساستها لانتقاد مستحق بسبب وقوفهم في طريق قرار فرنسا بإزالة الكربون عبر استخدام الطاقة النووية. لذلك، فقد استسلمت برلين في هذا الخلاف. ولا تدعم إحصاءات توليد الكهرباء المخاوف من أن تصبح ألمانيا مستهلكاً مسرفاً للفحم.
فخلال النصف الأول من هذا العام، انخفض استخدام الفحم في قطاع الطاقة بنسبة 20 %. ومع أرقام مماثلة ومثيرة للإعجاب في جميع أنحاء الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة الأمريكية والصين، لم يسجل الوقود الأحفوري سوى ارتفاع طفيف في النصف الأول من عام 2023.
وفي قطاع الكهرباء، من المتوقع أن يصل استخدام الوقود الأحفوري إلى ذروته هذا العام ليبدأ بعدها في الانخفاض بوتيرة متسارعة اعتباراً من عام 2024، فيما تتواصل إقامة منشآت توليد الطاقة الشمسية بوتيرة متسارعة، وقد زادت القدرة على التصنيع في مجال الطاقة الشمسية بنسبة 70 % في عام 2022، وهذه النسبة في طريقها للتضاعف مرة أخرى بحلول عام 2024. وتظهر آخر أرقام وكالة الطاقة الدولية زيادة قدرها 268 تيراواط/ ساعة في توليد الكهرباء من الطاقة الشمسية الكهروضوئية في عام 2022، وهو أكثر من ضعف المستوى الذي كان متوقعاً في عام 2018. وتتوقع الوكالة كل عام أن تكون منشآت الطاقة الشمسية أعلى قليلاً من سابقتها، وثبت في كل مرة مدى تشاؤمها مقارنة بالواقع، وهذا خطأ في التنبؤ يمكن للجميع أن يسعدوا به.
وبالإضافة إلى التحول السريع إلى الكهرباء المتجددة، شهدنا أيضاً آثار الأسعار الناتجة عن أزمة الطاقة والتي حسنت كفاءة الاستخدام، ما يمنحنا فرصة لالتقاط الأنفاس لتعزيز أداء الشبكات والذي هو أمر ضروري للتقدم إلى صافي الصفر.
ولتحقيق هذا الإنجاز توصي وكالة الطاقة الدولية بالتركيز بوضوح على توليد الطاقة المتجددة وزيادة كفاءة استخدام الطاقة حتى عام 2030. والخبر الجيد هو أن هذا الجزء من العملية «مفهوم جداً» ومن حيث الكفاءة فهو فعال في أغلب الأحيان، ويجري التنفيذ بمعدلات متسارعة.
أخيراً، من الواضح أن العالم لا يبدو في المسار اللازم للتغلب على ظاهرة الاحترار العالمي. فلا يزال هناك الكثير لفعله في هذا الصدد. لكن رغم الصعوبات المستمرة، إلا أن التضحيات باتت في الواقع أخف وطأة من ذي قبل، ما يجعلها قابلة لأن تدوم طويلاً.