يعرف الجميع أن الأسواق المالية تتقدم كثيراً على الاحتياطي الفيدرالي في توقعاتها لخفض أسعار الفائدة.

وقال المسؤولون في ديسمبر إنه من المحتمل أن يكون هناك حاجة إلى 3 تخفيضات بمقدار ربع نقطة مئوية لكل منها لأسعار الفائدة في عام 2024، ولكن يراهن المتداولون على 5 أو 6 تخفيضات بداية من مارس.

تكمن وراء هذا الاختلاف فجوة أعمق تتعلق بالتوقعات الاقتصادية. ويتحرك مؤشر «فيكس»، الذي يعتبر «مقياس الخوف» في «وول ستريت» عند مستويات دون المتوسط.

والمعيار نفسه ينطبق على غموض السياسة الاقتصادية الأمريكية، الذي يقاس بتكرار الإعراب عن الشكوك حول الاقتصاد والسياسات في المقالات الإخبارية، إلى جانب تقلُب التوقعات الاقتصادية والأحكام الضريبية المؤقتة.

ولا يزال صُنّاع السياسات في البنك الاحتياطي الفيدرالي أقل تيقناً من المعتاد، مقارنة بالأسواق والصحافيين والاقتصاديين، فيما يتعلق بالتضخم.

وفي ملخص التوقعات الاقتصادية لشهر ديسمبر، قال 15 عضواً من أعضاء لجنة السوق المفتوحة الفيدرالية إن مستوى انعدام اليقين لديهم حول توقعات التضخم كان أعلى من المتوسط خلال الـ20 عاماً الماضية، بينما قال أربعة منهم إنه كان مشابهاً إلى حد كبير، ما يعطي مؤشراً لانعدام يقين قريباً جداً من الحد الأقصى المُحتمل.

وبما أن محافظي الاحتياطي الفيدرالي يعتقدون أن توقعات التضخم غير مؤكدة إلى حد كبير، فليس من المستغرب أن يكون هناك معارضة رسمية لاعتقاد السوق بأن أول سلسلة من تخفيضات أسعار الفائدة ستبدأ في منتصف مارس، أي بعد شهرين فقط.

لكن مقاييس عدم اليقين هذه أكثر إثارة للاهتمام وتعقيداً من مجرد إظهار أن محافظي الاحتياطي الفيدرالي ما زالوا غير متيقنين.

وبما أن العشرين عاماً الماضية قد شملت الأزمة المالية العالمية وجائحة كوفيد 19 والحرب الروسية الأوكرانية، يبدو أن محافظي الاحتياطي الفيدرالي إما متأكدون بطريقة غريبة من أن المستقبل سيكون مليئاً بالصعوبات، أو غير راغبين في التعامل بشكل صحيح مع المسألة.

ويُطلب أيضاً من أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة تقييم ما إذا كانت المخاطر المحيطة بتوقعاتهم مائلة نحو الارتفاع أو الانخفاض. والنتائج هنا مثيرة للاهتمام بسبب الفرق بين متغيرات التضخم والمتغيرات الحقيقية.

وفيما يتعلق بالتضخم، كانت المخاطر تميل نحو الانخفاض بشكل عام في العقد الأول من القرن الجاري، ثم بعد ذلك نحو الارتفاع.

ولطالما اعتقد محافظو الاحتياطي الفيدرالي أن مخاطر نمو إجمالي الناتج المحلي لديهم تميل نحو الانخفاض، والبطالة نحو الارتفاع. وبالنظر إلى الخوف من الانكماش الذي كان في العقد الأول من هذا القرن.

فالنتيجة هي أن اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة غالباً ما تُرجح كفة المخاطر نحو النتائج السيئة. ويظن معظم أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة أن سجلات توقعاتهم يتدهور وأن النتائج ستكون أسوأ. إنهم حقاً متشائمون.

وبخلاف الإشارة إلى خصوصية مقاييس عدم اليقين في توقعات الاحتياطي الفيدرالي، فهناك أربع نقاط يمكن استنتاجها، ولا يوجد بينها أي تناقض:

1. إن درجات عدم اليقين وتقييمات المخاطر مزيفة ومصممة فقط لحماية ظهور من يضعون هذه التوقعات (إنه من الصعب التنبؤ بالعالم، لا تلوموني إذا كانت توقعاتي خاطئة).

2. نتائج عدم اليقين غير مهمة. أعضاء اللجنة الفيدرالية لا يولون أي اهتمام لنتائجها الغريبة وليس لها تأثير كبير على السياسات.

3. تعكس نتائج عدم اليقين الشكوك الحقيقية التي يحملها أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، وهي شكوك مقنعة.

وانعدام اليقين أعلى بكثير مما كان عليه خلال الـ20 عاماً الماضية ومن المحتمل أن تكون النتائج سيئة، لذا فمن المنطقي الانتظار لفترة أطول مما يتوقعه السوق قبل تخفيض أسعار الفائدة. وإذا كان هذا صحيحاً، فهذا هو الاستنتاج السياسي الصحيح.

4. تعكس نتائج عدم اليقين الشكوك الحقيقية التي يحملها أعضاء اللجنة الفيدرالية للسوق المفتوحة، لكنها شكوك غير صحيحة.

وهذه هي وصفة لخطأ في السياسات، قد يرتكبه الاحتياطي الفيدرالي المتجمد بالخوف وعدم اليقين بطريقة لا يستوعبها الآخرون. أما بالنسبة للأسواق، فهي تراهن على أن هذه الشكوك مزيفة أو غير مهمة.