في غضون الأشهر المقبلة، ستشهد وزارة الخزانة الأمريكية مبادرة جديدة من نوعها، حيث تعكف مجموعة من المانحين، معظمهم من رواد الأعمال، على إعادة تصميم ثلاثة مبانٍ تاريخية لإقامة متحف يحتفي بـ«الحلم الأمريكي».

ولإثراء هذا المتحف، يقوم معهد ميلكين بتسجيل مقابلات مع 10 آلاف شخص حول تجاربهم الشخصية مع هذا الحلم. وقال أحد كبار المانحين بأن هذا المتحف يطمح لأن يكون «منارة للأمل».

لكن هذا المشروع سيُثير استياء بعض الديمقراطيين، خاصة أنه بقيادة مايكل ميلكين، رجل الأعمال الذي تحول إلى فاعل خير، وهو الذي يُعرف بكونه مبتكر سوق السندات عالية المخاطر (سوق سندات الخردة) في ثمانينات القرن الماضي، قبل أن يعترف بارتكاب مخالفات مالية ويصدر عنه عفو في عام 2020 من جانب الرئيس دونالد ترامب آنذاك.

ومع ذلك، فالتهكّم لا أراه رد الفعل المناسب هنا. وبغض الطرف عن التساؤل بشأن ما إن كان يجب علينا دعم التكفير عن الخطأ والتجديد، لكنّ هناك سؤالاً حيوياً بشأن مسألة الحلم الأمريكي نفسها. لذا، فإن ما يفعله ميلكين في واشنطن يسلّط الضوء على تحد أكبر وفرصة أيضاً للساسة من مُختلف الأطياف.

ولنلقِ نظرة إلى المعنويات السلبية لدى الناخبين. فقد وجد استطلاع حديث أجرته «بيو» ونُشر في الشهر الماضي أن 53% من الأمريكيين ما زالوا يؤمنون بالحلم أمريكي، فيما أفاد 41% بأنه كان موجوداً لكنه تداعى حالياً.

وتردد صدى هذا التشاؤم في استطلاعات حديثة أجرتها مجموعات أخرى مثل «إن أو سي آر»، فيما كانت هناك نتيجة أكثر تفاؤلاً في استطلاع «يوغوف» الذي رغم إشارته إلى خشية الناخبين من تلاشي وجاهة الحلم بالنسبة للأمة، فإن الكثير من الناخبين يشعرون به في حياتهم الخاصة.

الأكثر لفتاً للانتباه هو الميول الديموغرافية، فقد أظهر استطلاع «بيو» أن الشباب والفئات الأكثر فقراً والأقل حصولاً على التعليم هم الأكثر شعوراً بالخذلان. ولا عجب من استمرار ترامب في التصريح بأن «الحلم الأمريكي انتهى أمره»، وهي رسالة ذات تأثير قوي.

وسواء كان قد مات أم ما زال حياً، فإن الحلم الأمريكي يستحق مزيداً من التدقيق. ففي العقود الأخيرة، كان الحلم الأمريكي يُعرّف من خلال مصطلحات اقتصادية، ويعني هذا أن الجميع يجب أن يحصلوا على الفرصة لتحقيق الارتقاء الاجتماعي عن طريق العمل الدؤوب.

من المُفترض أن كل جيل يتمتع بوظائف أفضل ومنازل وسلع استهلاكية مقارنة بآبائه. لذلك، وبموجب هذا المقياس، سيكون من السهل تفسير المرارة التي تحدث بها المشاركون في الاستطلاعات، فقد ظلت أجور الطبقة العاملة راكدة حتى وقت قريب، كما ارتفع عدم المساواة في الدخل، وانخفض متوسط العمر المُتوقع، وانحسر الترقي الاجتماعي.

قيم يتم تجاهلها، وهي تتمثل في أن الحلم الأمريكي لم يكن يُروّج له من زاوية اقتصادية بالأساس، حينما بدأ الترويج للمبدأ للمرة الأولى في عام 1931، وإنما كان يستند إلى مفهوم الاستثنائية الأمريكية الذي أرساه الآباء المؤسسون.

وفي كتابه «ملحمة أمريكا»، ذهب المؤرخ جيمس تراسلو آدامز إلى أن «الحلم الأمريكي الذي أغرى عشرات الملايين من كافة الأمم بالتدفق على شواطئنا في القرن الماضي لم يكن حلماً ينطوي على مجرد الوفرة المادية، أو بالسيارات والأجور العالية».

وأوضح المؤرخ أنه «كان حلماً بنظام اجتماعي يمكن فيه لكل رجل وامرأة أن يكونوا قادرين على تحقيق أقصى أفق يمكن أن يصلا إليه بطبيعتهما، وأن يدرك الآخرون ما هم عليه بغض الطرف عن المولد أو المكانة». وكان الاحترام والشمولية والحرية والديمقراطية عوامل مهمة أيضاً.

قد تبدو هذه المسألة واضحة، لكنها تؤدي بنا إلى سؤال مهم: هل تعرف الجغرافيا هذا الحلم الأمريكي؟ أم أنه هدف يرتبط بأماكن دون أخرى؟

تشكّل الجغرافيا عاملاً محورياً بالنسبة لترامب الذي يعتقد بأفول الحلم بسبب جحافل المهاجرين الذين «يسممون أرضاً أمريكية مقدسة»، على حد تعبيره. أما بالنسبة للديمقراطيين، فالمبدأ ليس مرتبطاً بحدود أو نقاء وطني.

وقد سلّط متحدثون، من بينهم ميشيل أوباما، مؤخراً الضوء على روايات عدة عن الترقي الاجتماعي، فيما أثنى كينيث تشينولت، الرئيس السابق لـ«أمريكان إكسبريس»، على المُرشحة الرئاسية كامالا هاريس، باعتبارها شخصاً يعتقد بأن «كافة الأمريكيين يجب أن يحصلوا على الفرصة من أجل تحقيق نصيبهم من الحلم الأمريكي».

لذلك، من شأن المتحف المقرر افتتاحه في واشنطن خلال العام المقبل أن يكون باعثاً على التفكير. وفي الأعوام الأخيرة، كان مركز ميلكين داعماً، بصورة غير مفاجئة، بالسياسات الداعمة للابتكار وتكوين رأس المال وريادة الأعمال.

كما أشاد المركز بالمهاجرين الذين يدفعون عجلة النمو والذين أسسوا مختلف أنواع الشركات. ومن المُقرر أن يضم المتحف مجموعة من المهاجرين من غير ذوي البشرة البيضاء الذين يدير الكثير منهم أكثر الشركات الأمريكية نجاحاً في قطاعات التكنولوجيا ومجالات أخرى.

لن يعجب ذلك، بطبيعة الحال، بعض مؤيدي ترامب، الذين شجبوا الأمر على وسائل التواصل الاجتماعي حتى عندما بدا ترامب متبنياً لرأي إيجابي إزاءه. وفي الوقت ذاته، قد لا يحب بعض الديمقراطيين فكرة صنع الثروات والرأسمالية.

لكن الحقيقة المُرة أن الجمهوريين يحتاجون إلى إعادة تعريف الحلم الأمريكي، إذا ما كانوا يرغبون في أن يكونوا حزباً طبيعياً بدرجة أكبر. كما يتحتم عليهم أن يولوا الجغرافيا اعتباراً أقل، وأن يدافعوا عن الحُجة الذي يؤكدها قادة الأعمال، والتي تتمثل في أن المهاجرين ضروريون لاستمرار الديناميكية.

في المقابل، فإذا أراد الديمقراطيون أن تكون لديهم منصة تبدو موثوقة حقاً للأعمال أو لأي شخص آخر، فإنهم بحاجة إلى خلق وتشجيع سياسات قوية تشجع الابتكار وريادة الأعمال وتكوين رأس المال. لكن من الصعب، وللأسف، تحديد موقف هاريس تجاه هذا الأمر.

الشاهد إذن أن النقاش حول كيفية تجديد فكرة آدامز التي تعود إلى قرن يُعد طريقة مُحتملة لإعادة بناء الوسط السياسي الأمريكي المُحطّم. وإذا ساعد هذا المتحف الزجاجي على تذكير جاره الجديد في البيت الأبيض بالسعي لتحقيق هذا الأمر، فسيكون محل ترحاب بكل تأكيد. ولا يسعنا هنا سوى أن نحلم.