جو إليسون
لا توجد معلومات كثيرة عن ليانغ وينفنغ، مؤسس تطبيق «ديب سيك»، الذي أطلق مؤخراً تقنية ذكاء اصطناعي أكثر بأسعار معقولة، وأكثر سهولة في الوصول، ما تسبب في حالة من الذعر في «وول ستريت»، لكن وينفنغ ليس مجرد خبير تكنولوجيا عادي: فهو لا يتسكع مع رفاق وادي السيليكون، ولم يشاهد على يخت مع جيف بيزوس، ولم يختلط بالمليارديرات الآخرين في حفل زفاف أنانت أمباني، ولم يتفاخر على منصة تنصيب دونالد ترامب، ومن غير المرجح أن يتم تصويره ببدلة فضاء وهو يتحدث عن حلمه باستكشاف حدود جديدة.
بحث بسيط على «جوجل» يعطي صورة لوينفنغ أمام شعار «ديب سيك»، يبدو كموظف محاسبة مبتدئ بلحية صغيرة مستدقة، ونظارات وبدلة مخططة، وتم لاحقاً اكتشاف أن الصورة مجرد صورة مخزنة من مكتبة صور: ففي الواقع يبدو وينفنغ أقل ثقة.
الصورة الأكثر تداولاً تظهره في اجتماع مع رئيس الوزراء الصيني، لي تشيانغ، أواخر الشهر الماضي. في عمر الأربعين يبدو شاباً يافعاً، إلى درجة أنه يبدو قليل الخبرة، رغم بدلته الرمادية الأنيقة. قال زملاؤه السابقون: «عندما التقيناه للمرة الأولى كان شخصاً شديد الاهتمام بالتقنية، مع تسريحة شعر سيئة، يتحدث عن بناء مجموعة من 10 آلاف شريحة لتدريب نماذجه الخاصة. لم نأخذه على محمل الجد».
كرجل أعمال سابق في مجال رأس المال الاستثماري أطلق وينفنغ شركة «هاي-فلاير» في عام 2015. كان صندوق التحوط الكمي ناجحاً لدرجة أنه أدار أصولاً تزيد قيمتها على 8 مليارات دولار. وأسس «ديب سيك» في عام 2023 مع فريق صغير، أغلبهم من المواهب الصينية، العديد منهم تم توظيفهم بعد تخرجهم في جامعة بكين المرموقة، ويدفع وينفنغ رواتب كبيرة لموظفيه لجذب أفضل المواهب.
ووفقاً لهذه الروايات، على الأقل، يقدم وينفنغ صورة مناقضة تماماً لصورة «الخبير التكنولوجي العصري»: فهو موهبة محلية من غوانغدونغ في الصين، وهو تكنولوجي مثالي يؤمن بأن رد الجميل هو شرف، وقد أنشأ ثقافة المصادر المفتوحة كوسيلة للابتكار.
ويقدم وينفنغ سرداً مضاداً بشكل غير عادي لسيناريو أصبح أشبه بمسرحية هزلية لمن هم خارج فقاعة التكنولوجيا. في السنوات الأخيرة أصبحت ثقافة وادي السيليكون متغطرسة بنجاحها وامتيازاتها للغاية، إلى درجة أن مؤيديها يبدون الآن مثل ممثلي مسرحية إيمائية.
وبالطبع ليس المهم مظهرك وإنما ما تفعله، لكن بالنظر إلى أكبر الخاسرين الماليين من تداعيات يوم الاثنين الماضي، قد تتساءل عما إذا كان هذا العرض الغريب من المتباهين يحتاج إلى التخفيف.
فجأة يبدو جنسن هوانغ، مؤسس «إنفيديا»، الذي خسرت شركته 589 مليار دولار من قيمتها السوقية، يوم الاثنين، مرتبكاً بعض الشيء بمعطفه من «توم فورد» بقيمة 9 آلاف دولار، وكذلك سام ألتمان بستراته الشبيهة بملابس الأطفال، ولاري إليسون، بيتر باني «أوراكل» البالغ من العمر 80 عاماً، مرتدياً ستراته ذات الفتحة على شكل هرم مقلوب، وقميصه الطويل.
والسؤال الذي يطرح نفسه: هل وصلنا إلى ذروة «الخبير التكنولوجي العصري»؟ ربما ليس من قبيل الصدفة أن العديد من الفائزين، يوم الاثنين، بمن فيهم وارن بافيت، وتيم كوك من أبل، معروفون بسلوك أكثر تحفظاً.
أولئك الذين يرتدون البدلات ورابطة العنق. انتهى عصر القمصان ذات الأغطية والميداليات الغريبة، وحان وقت الياقات الصلبة والبدلات الرصينة، حتى إيلون ماسك، الذي قضى الأشهر الستة الماضية يرتدي قميصاً غير مناسب، تبنى مؤخراً مظهراً أكثر أناقة، ففي لقطة من مسلسل «Succession» يقول لوجان روي بطل المسلسل: «أنتم أغبياء إلى هذا الحد»، معبراً عن إحباطه من أطفاله، وإدارة شركته القابضة.
«أحبكم، لكنكم لستم أشخاصاً جادين». هذه الكلمات ترددت طوال الأسبوع مع تسابق الأسواق نحو الأمان بعد فترة من الطموح الجامح والمخاطر والثروات المتسارعة، لنعيد الأشخاص الجادين: ليس فقط في التمويل، بل في كل المجالات.
بالطبع لن أكون أحمق لأختار أسهمي بناء على من يرتدي ربطة عنق، ومن لا يرتديها، لكن على الأقل «ديب سيك» يشبه تماماً «لحظة سبوتنيك» ويعيد شيئاً من التحفظ والتأمل في مشهد كان مفرطاً في الثقة بنجاحاته لدرجة أنه اعتقد نفسه لا يقهر.
بالطبع بدأ الخبراء التكنولوجيون العصريون يدفعون بالاتجاه المعاكس. جوش كوشنر المعجب بسام ألتمان من «Thrive Capital» انتقد منصة «ديب سيك»: بينما كان سام ألتمان يتجول في باريس خلال عروض الأزياء مع زوجته العارضة كارلي كلوس، ووجد الوقت لتغريد تحفظاته.
كوشنر أصبح رمزاً للاستثمارات عالية المخاطر، مستثمراً متهوراً مستعداً لاستثمار مبالغ ضخمة في الشركات الناشئة على أمل تحقيق مكاسب هائلة. وأسهمت «Thrive» بأكثر من مليار دولار في جولة تمويل أعطت «أوبن أيه آي» قيمة تقديرية تبلغ 150 مليار دولار، لذا يمكن قراءة تصريحه على «إكس» على أنه مجرد حقد.
شيوعيون ضد رأسماليين، بدلات أنيقة مقابل جلود غريبة، مفتوح المصدر ضد الملكية الفكرية: قصة «ديب سيك» تزعزع أسطورة السيليكون. أجد كل هذا مسلياً للغاية، لكنني لا أملك مصلحة شخصية في هذه اللعبة تحديداً. وينفنغ غيّر مجرى الأحداث بشكل غير متوقع، رغم مظهره المتميز، بشعره المدرج الذي ربما لم يصفف باحترافية (أو ربما قام بقصه بنفسه). خطيئته الوحيدة، التي تدل على شخصيته القيادية؟ أنه يحب استكشاف الكهوف في أعماق البحار.