في يناير الماضي، أعلن فريق من علماء الآثار عن اكتشاف مقبرة ملكية ضخمة في منطقة أبيدوس بمصر، تعود إلى فترة غامضة من التاريخ المصري القديم، المقبرة، المشيدة من الحجر الجيري، تتميز بتصميمها المعقد الذي يضم عدة غرف ومدخلًا مزخرفًا، لكن هوية صاحبها ما زالت مجهولة بسبب تلف النقوش الهيروغليفية التي كانت تحمل اسمه، وفقًا لبيان صادر عن متحف بنسلفانيا في 27 مارس.
وعلى الرغم من عدم العثور على بقايا بشرية داخل المقبرة، يعتقد الباحثون أنها تعود لملك حكم صعيد مصر خلال الفترة الانتقالية الثانية (1640–1540 قبل الميلاد)، وهي حقبة شهدت انقسام البلاد إلى ممالك متصارعة، يُعتقد أن هذا الملك ينتمي إلى "سلالة أبيدوس"، وهي أسرة حاكمة غير معروفة جيدًا، ربما طُويت من السجلات التاريخية بسبب الاضطرابات السياسية في ذلك الوقت، وفقا لـ سي إن إن .
مقبرة تكشف عن ماضٍ منسي
وصف جوزيف ويجنر، عالم المصريات بجامعة بنسلفانيا وقائد الفريق البحثي، السلالة بأنها "غامضة ومبهمة"، مشيرًا إلى أن الاكتشاف يفتح آفاقًا جديدة لفهم هذه الحقبة، وتُعد المقبرة المكتشفة الأكبر بين مثيلاتها المعروفة من نفس السلالة، ما يوفر أدلة مهمة عن فترة لم تُوثق جيدًا في التاريخ المصري.
وتقع المقبرة على عمق 7 أمتار تحت الأرض في جبل أنوبيس، وهو موقع مقدس ارتبط بآلهة الموتى عند المصريين القدماء، يُذكر أن أبيدوس كانت مدينة دينية مهمة، ارتبطت بالإله أوزوريس عند القدماء المصريين، كما شهدت دفن العديد من الفراعنة الأوائل.
الفراعنة المنسيون
قبل أكثر من عقد، اكتشف ويجنر وفريقه مقبرة الملك "سنب كاي"، الذي لم يُذكر اسمه في السجلات التاريخية، مما دعم نظرية وجود سلالة أبيدوس التي اقترحها عالم المصريات كيم ريهولت عام 1997.
وتشبه المقبرة الجديدة في تصميمها مقبرة سنب كاي، لكنها أكبر حجمًا، مما يشير إلى أنها قد تعود لملك سابق عليه، ربما يكون "سنايب" أو "بانتجيني"، أو حتى ملكًا مجهولًا تمامًا.
وعلى الرغم من تلف النقوش التعريفية، احتفظت المقبرة بلوحات جدارية تصور الإلهتين إيزيس ونفتيس، اللتين ارتبطتا بطقوس الجنازة عند المصريين القدماء.
استكمال البحث عن المفقودين
يخطط الفريق لمواصلة التنقيب في المنطقة، باستخدام تقنيات مثل الرادار الأرضي والقياس المغناطيسي للكشف عن المزيد من المقابر.
وقال ويجنر: "قد يكون هناك 12 إلى 15 ملكًا من هذه السلالة مدفونين هنا".
من جهتها، علقت سليمة إكرام، الأستاذة البارزة في علم المصريات بالجامعة الأمريكية بالقاهرة، أن الاكتشاف "يثبت وجود مقبرة ملكية مهمة في أبيدوس خلال تلك الفترة، ويساعد في فهم أفضل لهذه الحقبة الغامضة".
إعادة كتابة التاريخ
أشار لوريل بيستوك، عالم المصريات بجامعة براون، إلى أن ملوك سلالة أبيدوس مثل سنب كاي لا يظهرون في السجلات الرسمية للملوك المصريين، مما يشير إلى أن تلك القوائم كانت انتقائية وتهدف إلى تعزيز رواية الملوك المنتصرين.
وأضاف: "هذه الاكتشافات تذكرنا بأن التاريخ المكتوب قد يكون متحيزًا، وأن الآثار تكشف قصصًا أكثر تعقيدًا".
وبينما تبقى هوية صاحب المقبرة لغزًا، يأمل الباحثون أن تكشف الحفريات المستقبلية عن المزيد من الأسرار، مما يساعد في كشف المزيد من الأسرار في تاريخ مصر القديم.