Al Bayan
today-time17 ذو القعدة 1446 هـ ، 15 مايو 2025 م
prayer-time

انفلات أمني يتغذى على التعثر السياسي

عناصر أمن سوريون يمشطون شوارع في اللاذقية |
عناصر أمن سوريون يمشطون شوارع في اللاذقية |

يقترب عمر التغيير في سوريا من إتمام 3 أشهر بسقوط نظام الأسد وفراره وتسلم المعارضة السلطة بقيادة أحمد الشرع. شهدت هذه الشهور حالات مد وجزر أمني، مرتبطة بالتقدم في المجال السياسي، فقد أدت حالة الفراغ السياسي إلى أجواء انفلات أمني في عدد من المناطق.

وسقط عشرات القتلى غالبيتهم من قوات الأمن السوري ومسلحين موالين للرئيس السابق بشار الأسد خلال اشتباكات «غير مسبوقة» في محافظة اللاذقية، وفق ما أفاد المرصد السوري لحقوق الإنسان، في حين فرضت السلطات الأمنية حظر تجوال في المنطقة.

بناء على الانقلات الأمني، فإن السلطة الجديدة لا تسيطر بعد على مناطق شاسعة من سوريا، تأتي أولاً مناطق قوات سوريا الديمقراطية شرق الفرات، وثروات المنطقة الشرقية والزراعية. واضطرت السلطة الجديدة إلى توقيع اتفاق مع «قسد» لتوريد النفط والغاز من هناك لتشغيل مصافي النفط.

كما لم تنجح قوات دمشق في دخول منطقة السويداء جنوب سوريا، حيث تشترط القوى الفاعلة هناك دستوراً وطنياً شاملاً لا يقصي أي مكون والابتعاد عن الفئوية وعقلية التغلب، وهو ما يبدو أنه بعيد المنال حالياً حيث تشهد السلطة اتجاهات متناقضة بعضها وطني وبعضها فئوي.

أما أخطر المناطق الأمنية فهي الساحل السوري، وذلك لأن قوات دمشق انتشرت هناك بالفعل، على عكس منطقتي شرق الفرات والسويداء، لكنها تواجه صعوبة في بناء علاقة مع السكان بسبب حساسيات أمنية وملاحقات تظهر للسكان وكأنها استهداف متعمد.

ووفق مصادر مطلعة، فإن الرئيس السوري، أحمد الشرع، طلب من قواته التعامل بمهنية شديدة مع السكان في منطقة الساحل، فهي ساحة اختبار لما ستكون عليه سوريا من انسجام وتفاهم. غير أن التناقضات تزداد حدة، فأسلوب التسويات الفردية للضباط والعاملين لدى النظام السابق ما زال فعالاً ويؤتي ثماره، وكانت أداة استقرار اجتماعية مهمة حتى الآن وتمنع عمليات الانتقام العشوائية التي كانت تقلق السلطة الجديدة، وقد نجحت في هذا الاختبار، أي منع عمليات تصفية وانتقام منهجية ضد أتباع النظام المخلوع.

برغم ذلك، هناك استياء مصدره عدم وجود عملية سياسية شاملة لا تقصي أحداً، فما ظهر من تعيينات انتقائية للجنة الحوار الوطني ثم لجنة الإعلان الدستوري، أظهرت أن هناك مساراً رئيساً للعملية السياسية يتقدم سواء شملت الأطراف السورية الأخرى أم لا، وهذا الإقصاء السياسي كما يسميه بعض المنتقدين يفتح ثغرات في الإنجازات الأمنية التي قامت بها دمشق في ضبط الأوضاع الأمنية، وهو ما يحدث في مناطق حمص والساحل.

كما أن العلاقات مع قسد مشوشة أيضاً، فهي تارة توحي أنها إيجابية وتارة تشير إلى توتر وقرب صدام عسكري، والأمر ذاته ينطبق على السويداء، وحتى فصائل معارضة في الشمال السوري ودرعا والتي لم تسلم فصائلها أسلحتها لوزارة الدفاع. والنقطة الأخرى التي تغيب عن التحليلات أن النظام القضائي في سوريا شبه معطل بسبب عملية تدقيق في ملفات القضاة.

حيث أن الفساد كان قد نهش القضاء السوري في عهد الرئيس المخلوع، وتستغرق عملية بناء قضاء جديد وقتاً وقد يتعثر أيضاً حيث إن المرجعية القضائية ليس واحدة بين ما كان سائداً لدى النظام السابق والحالي. لذلك حين يتعرض المواطنون لمضايقات أمنية فإنه ليس أمامهم من باب للجوء إليه سوى الجهات الأمنية نفسها مباشرة بدون أي سلك قضائي للشكاوى.

فضلاً عن ذلك فإن التوغل الإسرائيلي المستمر في القنيطرة والجزء السوري من الجولان يحرج خطاب السلطة الجديدة، حيث أنها لا تستطيع مجابهة أي توغل إسرائيلي، لكنها تطلق الحملات الأمنية ضد خصومها داخل سوريا، الأمر الذي يجعل بعض السوريين يعتقدون باتباع دمشق ازدواجية أمنية. أمام هذه الهشاشة الأمنية، يأمل السوريون أن تبادر السلطة إلى تصحيح مسار العملية السياسية التي تسير حتى الآن وفق المخطط لها من جانب دمشق، لكنها تفقد رصيدها حتى لدى شريحة من المؤيدين لها.