أحبُّ الكاتب الذي يعتني بلغته، الذي ينحت لنفسه لغة من توقيعه الخاص، تماماً كما يعتني بصلب الموضوع الذي يناقشه والمعلومات التي يضخها في موضوعه، اللغة أمر في غاية الأهمية، فهي التي تجعلك تحب ما تقرأ وهي أيضاً ما يدفعك لإلقاء الكتاب جانباً.
غالباً ما يطلق النقاد مصطلح اللغة الشعرية على تلك النوعية من الكتابة التي تستعير من معجم الشعر كثيراً من مصطلحاته وجمالياته اللغوية وتراكيبه، من أجل التأثير في القارئ وفي بنية النص معاً. إن تراكيب اللغة حين تكون شعرية لا تقل أثراً عن التراكيب الفكرية والاجتماعية المستخدمة. وهذا ما برعت فيه كاتبة مثل أليف شافاق، ذات الكعب العالي في ميدان الكتابة الروائية بين بنات جيلها من الروائيات العالميات.
في كل منجزها الأدبي الذي تجاوز 15 عملاً، كانت لغة شافاك مميزة دائماً وشديدة الشعرية والتأثير. إنك لا تُنهي رواية ولا تترك كتاباً من توقيعها دون أن يصحبك قوس قزح من الكلمات والأفكار والإضاءات التي تتكفل بتقديمها لك ببساطة مدهشة، بينما تظل أنت متفكراً تقول لنفسك: «نعم أعرف هذا المعنى أو هذه الحالة، لقد مررت بهذه التجربة وخرجت بالقناعة نفسها، لكن لم يخطر ببالي أن أصوغها بهذا الشكل الفاتن»، نعم لم يخطر لنا جميعاً أن نفعل؛ لأن تلك تحديداً مهمة المختلفين من الكُتَّاب.
في روايتها الأخيرة «10 دقائق، و38 ثانية في هذا العالم الغريب»، يبدو العنوان أطول مما ينبغي لكاتب يمتلك ناصية اللغة، لكنك وأنت تحث الخطى في ممرات حديقتها السردية الفاتنة، ستقتنع بأن كاتباً آخر سواها ما كان سيختار عنواناً شديد التعبير مثله، وإن أي عنوان آخر ما كان سيبدو لك مقنعاً! تلك واحدة من غوايات اللغة وأسرارها.