عيد الاتحاد.. عيد الهوية والتراث

اليوم، وبحمد الله وفضله، نحتفل بعيد الاتحاد الـ53، أعاده الله على قيادة الإمارات الرشيدة وشعبها الطيب المعطاء والمقيمين على أرضها عاماً تلو عام، ونحن نشهد المزيد من التطور والتقدم وتحقيق الإنجازات الكبرى، وتنتشر الاحتفالات في كل شبر على هذه الأرض الطيبة، ويخرج شعبنا الأصيل وهو يرتدي أزياءه التقليدية العريقة ويستمع إلى موسيقاه وأغانيه التي تمجد ماضيه، والاحتفال بعيد اتحادنا هو احتفال بتراثنا كله، فولادة الاتحاد كانت تعني أن نجتمع معاً ونصبح كلنا قلباً واحداً وبذاك اجتمع تراثنا كله تحت سقف واحد عظيم يظلنا جميعاً، فأصبح كل تراث في أرض دولة الإمارات، في قراها ومدنها وإماراتها السبع المتوهجة هو تراث إماراتي أصيل.

حين نردد كلمة التراث، نحن نعلم أننا نتحدث إما عن التراث المادي أو غير المادي والذي يسمى المعنوي، ولكن حسب فلسفة التراث، فإننا نقوم بفصل هذين المصطلحين، ظناً منا أننا قادرون على التفريق بين المعاني بينما نحن نسعى ولو مجازياً لفصل الروح عن الجسد.

قلنا في مقالات سابقة، إن التراث هو نقل حياة الأسلاف والأجداد إلى حاضرنا، وننظر دائماً أننا ننقل القيم الأصيلة والعريقة والعادات الجميلة وكذلك الشعر والأهازيج والموسيقى والأكلات الشعبية والأزياء وعادات الأفراح والمناسبات، لتبقى أصيلة حية في حاضرنا وننقلها إلى الأجيال القادمة، وهذا هو التراث غير المادي أو الشعبي أو المعنوي أو الفولكلور، ثم ننظر إلى القلاع القديمة والآثار والمباني التي خلفها أسلافنا وأجدادنا ونزورها ونتعلم عنها الكثير، ولكننا في الواقع ما زلنا نفصل التراثين عن بعضهما وكأنهما كانا هنا غريبين أو لم يلتقيا قط، والحقيقة أنهما قطعة واحدة بجسد وروح واحد.

بالطبع علمياً يمكن التفريق بين التراث المادي وغير المادي، فالتراث المادي هو العنصر القابل للمادية والتلمس، مثل المعالم التاريخية والمباني والأدوات التقليدية.

يلعب التراث المادي دوراً حيوياً في توثيق التاريخ الإنساني، إذ يحمل في طياته تجارب الأجيال السابقة.

ويُعبر التراث المادي عن التكنولوجيا والابتكارات الثقافية والأساليب الفنية التي سادت في مختلف العصور، وفي الإمارات، تظهر هذه العناصر بتنوعها وجمالها، حيث نجد القلاع القديمة، مثل قلعة الفهيدي في دبي، وتحتضن مدينة العين بعض المواقع المهمة المدرجة على قوائم اليونسكو لمواقع التراث العالمي، بما في ذلك واحاتها الست والمواقع الأثرية في هيلي وجبل حفيت وبدع بنت سعود، إضافة إلى تراثنا المادي في جزيرة صير بونعير، المشهد الثقافي في المنطقة الوسطى مليحة، الشارقة بوابة الإمارات المتصالحة، جزيرة أم النار في أبوظبي، خور دبي، موقع الدور في أم القيوين، مسجد البدية في الفجيرة، سبخة أبوظبي، وغيرها، حيث تحمل هذه المعالم الحياة الحقيقية التي عاشها أسلافنا وأجدادنا وتعكس قيمهم الأصيلة العريقة.

ويُعتبر التراث غير المادي (المعنوي) هو الروح الحقيقة لكل تراث مادي، ولكل ملامح وصفات ومشاعر وثقافة وهوية الشعوب، فهو يشمل العادات والتقاليد، والأمثال الشعبية، والشعر، والموسيقى، والفنون الشعبية، والقصص، والاحتفالات والمناسبات.

ويُنتج التراث غير المادي عادة تصوراً حقيقياً للهوية الوطنية، ويُمثّل التجارب والذاكرة الجماعية التي تمثل الشعوب.

لذلك، تتجاوز فلسفة التراث حدود المعرفة التقليدية، إذ تعبر عن جميع تلك التجارب الإنسانية، المادية وغير المادية، وتقوم على فكرة انتقال الروح والقيم والمعاني عبر الأجيال.. فتصبح تجسيداً لحياة الأسلاف والأجداد وقصصهم وعاداتهم، وهي تنتقل كاملة، غير منقوصة، ويبقى المكان في التراث المادي ليقص حكاية التراث غير المادي بأي وسيلة تعبير متوفرة كالأغنية الشعبية أو الشعر وغيرها.

التراث المادي وغير المادي يخدمان أغراضاً مختلفة.. فالتراث المادي يمثل التجسيد البصري والتاريخي للمجتمع، في حين يُعبر التراث غير المادي عن المشاعر والأفكار التي لا يمكن رؤيتها.

يُظهر الفيلسوف الألماني، مارتين هايدغر، كيف أن المكان (الذي يتمثّل في التراث المادي) هو الوجود الذي يحضن الهوية، بينما تكون المرويات والتقاليد (التراث غير المادي) هي الوجود الذي يحفظ الروح.

في عيد الاتحاد الـ53، لدولة الإمارات العربية المتحدة، تصدح الاحتفالات بالسلام الوطني والأهازيج الشعبية والموسيقى والأزياء التي تمثل ثقافة وتراث المجتمع الإماراتي كله في مناسباته العزيزة على قلب كل إماراتي، وكما يوحدنا الاتحاد بظله كذلك فتراث الاتحاد بمختلف أنواعه وأشكاله وأبعاده يعزز من هويتنا وانتمائنا ويقوي من روابطنا ويحافظ على القيم والمبادئ التي تحكم كياننا الاجتماعي والثقافي ويبقيها حية في قلوبنا وقلوب الأجيال القادمة.