إن اللغة العربية لغة حضارية، ذات جذور عميقة وأثر كبير، وقد نوه الله تعالى في كتابه العزيز في مواضع عديدة، بمكانة اللغة العربية وعظم شرفها، بأن جعلها لغة القرآن الكريم، آخر الكتب السماوية التي أنزلها سبحانه لهداية البشرية، قال عز وجل:
{إنا أنزلناه قرآناً عربياً لعلكم تعقلون}، وهذا امتنان من الله تعالى على عباده، بأن أنزل إليهم القرآن الكريم باللغة العربية، لكونها أبلغ اللغات، وأحسنها فصاحة وجمالاً، وتكفل الله بحفظها، لتصبح لغة باقية خالدة، ما دام هذا القرآن يتلى، فقال: {إنا نحن نزلنا الذكر وإنا له لحافظون}.
وتتجلى أهمية اللغة العربية في ميادين عديدة، من أهمها ميادين العلوم الشرعية، وبالأخص ما يتعلق بفهم القرآن الكريم والسنة النبوية المطهرة، إذ لا يستطيع أحد أن يفسر كتاب الله تعالى، دون أن يكون عالماً باللغة العربية، يعرف من بلاغتها ونحوها وعلومها المتنوعة، ما يعينه على الفهم السليم للقرآن الكريم، ولذلك اهتم العلماء منذ القدم بهذه اللغة المباركة، وتركوا لنا كنوزاً علمية زاخرة في كافة علومها وفنونها.
كما أن اللغة العربية تعتبر جسراً ثقافياً إنسانياً، لتعزيز التسامح بين شعوب الأرض، سواء على مستوى المسلمين من شتى الثقافات والقوميات، والذين يجتمعون على تعلم هذه اللغة، لفهم دينهم والقيام بعبادتهم، ما يرسخ بينهم الوئام والانسجام والتفاهم.
أو على مستوى عامة الشعوب والمجتمعات الأخرى، الراغبين في التعرف إلى الحضارة العربية والإسلامية وكنوزها التراثية، عبر تعلم اللغة العربية وعلومها، وهنا يأتي أهمية ترجمة ذخائر التراث العربي إلى اللغات الأخرى، لتعريف الآخرين بها، وما فيها من معارف إنسانية وقيم إيجابية وتجارب فكرية وفنون راقية، ما يعزز الاهتمام باللغة العربية، وتشجيع الآخرين على تعلمها والاستفادة منها.
ولا شك أن هناك تحديات عدة تواجه اللغة العربية في هذا العصر، خاصة مع بروز العناية ببعض اللغات العالمية، التي فرضت نفسها لعوامل عدة، ما يستدعي وضع خطط وبرامج واستراتيجيات على مستوى الحكومات والمؤسسات، مروراً بالأسر والأفراد، لتعزيز دور اللغة العربية.
وترسيخ حضورها في المجتمعات العربية، والاستفادة من التجارب والتطبيقات العالمية في المحافظة على اللغات، ومن ذلك، العناية المثلى بتعليم اللغة العربية، وابتكار الاستراتيجيات والمناهج الفعالة التي تخدم ذلك، سواء في أروقة المدارس أو الجامعات أو المعاهد أو غير ذلك.
ويتجلى هنا دور معلمي ومعلمات اللغة العربية، ودورهم الكبير والمحوري في غرس قيمة اللغة العربية في نفوس الناشئة، وخاصة من هم في المراحل الدراسية الأولى، وتربيتهم على حب هذه اللغة، وتسهيل تعلمها لهم، ما يسهم في خلق أجيال متعلقة بهذه اللغة، وعلى وعي بمكانتها التاريخية، وضرورة المحافظة عليها.
ومما يعين على ذلك، استثمار التقنيات الحديثة والذكاء الاصطناعي في خدمة اللغة العربية، ودعم اللغة العربية كلغة حاضرة وفاعلة في هذه المنصات، وإطلاق الألعاب التعليمية للناشئة، والتي تعنى بتعليمهم اللغة العربية، وتحبيبهم فيها بطرق تفاعلية جاذبة، وغير ذلك من المبادرات المفيدة في هذا الجانب.
واللغة العربية لغة واسعة جداً، زاخرة بالمفردات، ما يجعلها لغة مرنة صالحة للاستخدام في العلوم والميادين المعاصرة، ولذلك نلاحظ تأثير اللغة العربية في اللغات العالمية الأخرى في مفردات كثيرة اقترضتها منها، ومما يدل على قابلية اللغة العربية للتكيف مع الاكتشافات والعلوم التطبيقية المعاصرة، دورها التاريخي الكبير كلغة علمية خلال العصور السابقة، وذلك بشهادة المؤرخين من المستشرقين وغيرهم.
وذلك يحتم علينا العمل على استعادة هذه الريادة العربية في الخطاب العلمي الحديث، وهو يقتضي بالضرورة تعزيز إسهامات العرب والمسلمين في مجال العلم والبحث المعاصر، والإمساك بزمام التقدم والتطور في مختلف الميادين، ليكون للغتهم حضور وتأثير.
إن دور اللغة العربية كبير ومهم في المحافظة على الهوية الوطنية، ولذلك اعتنت دولة الإمارات عناية كبيرة باللغة العربية، وأطلقت العديد من البرامج والمبادرات والمؤتمرات والمسابقات التي تخدمها، ومن أحدث ذلك، تصنيف المعجم التاريخي للغة العربية، بتوجيهات ودعم صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي عضو المجلس الأعلى حاكم الشارقة، والذي حاز على شهادة موسوعة غينيس، كأكبر وأضخم مشروع لغوي تاريخي على مستوى العالم.