قدّم لنا الإغريق فكرة مأساوية، تتمثل بأن الحياة ليست عادلة بتاتاً. وقالوا إن الأمور السيئة تصيب، وبلا سبب، الناس الأخيار. وعادة ما تكون خيارات الحياة مقسمة بين السيئ والأسوأ. وفي المسرحيات القديمة لليونانيين إسخيلوس وسوفوكليس، تبرز كل من البطولة والنبل من المآسي، وحسب.
أوجد الأميركيون الجدد علاجا للعالم، وهو أن الحياة يجب أن تكون عادلة دوماً. وما لم تكن كذلك، فيتوجب إلقاء اللوم على شخص ما أو أمر ما. فجميع الأشخاص الأخيار يستحقون حياة طيبة، أو شيئا آخر.
الدولة المليئة بالضحايا، سرعان ما تصاب بالخوف الجماعي من احتمال الإساءة لشخص ما. فهل يتم ذلك بسداد ديون قيمتها 20 مليار دولار؟، أو إصلاح الضمان الاجتماعي؟ أو مطالبة نحو 47% من الشعب الذي لا يدفع ضريبة الدخل بسداد جزء منها؟
لا، قد يزعم الضحايا إن مثل هذا التضييق غير عادل ومستحيل، فضلا عن كونه مؤذياً. وبالتالي فإننا لا نفعل أي شيء لأن موعد الانهيار المادي بات أقرب إلينا من قبل.
هل يعتقد أي أحد أن ثقافة الشكوى يمكنها تشييد قطار فائق السرعة في كاليفورنيا؟ حتى أن مؤيدي تلك الفكرة يرغبون بأن يجري بناء السكك الحديدية بعيدا عن منازلهم.
كما تعتاد الحيوانات على مبدأ الضحية الجديد. فبناء خزان في كاليفورنيا يعني تجاهل أنواع الحيوانات الموجودة هناك.
يحتمل بأن أسلاف الأميركيين الفقراء، قد وصلوا بعمر الـ 15 عاما إلى «كيب هورن» على متن مركب شراعي أو على ظهور الجياد عبر جبال الروكي.
إنهم ليسوا كشباب الجامعة حالياً. ممن اعتبروا ضحايا العنصرية والتمييز على أساس الجنس، وأمور أخرى. هناك مضايقات ومطالب تتمثل، مثلاً، في «سحب السلاح» لتجنب حدوث أمور سيئة. لذلك ما الذي يمكن لأجدادنا أن يفكروا به؟
تأتي فكرة الضحية الأميركية كترف في مجتمع ما بعد الحداثة الراقي والآمن، الذي يمكنه تقديم مثل ذلك التساهل السخيف. إذ يفترض كولين كابيرنيك لاعب فريق سان فرانسيسكو لكرة القدم الأميركية بأن فريقه الثري يمكنه أن يدفع له ما يصل إلى 20 مليون دولار في العام الواحد، ليظل جالساً في دكة الاحتياط، ومن دون أن يتكبد عناء الوقوف أثناء عزف النشيد الوطني.
ولكن تعتبر فكرة الضحية خطوة مهنية جيدة. فقد حولت وضع اللاعب كابيرنيك من كونه لاعب خط وسط مرهقا للغاية، إلى مدافع عن العدالة الاجتماعية.
وبالنسبة إلى مناظرات الرئاسة الأميركية، ألقت هيلاري كلينتون خلال المناظرة الرئاسية الأولى اللوم على ترامب لفضحه وإهانته لهيئة ملكة جمال الكون لعام 1996 أليسيا ماتشادو، وذلك قبل عقدين من الزمان، حيث جاءت تصريحاته بعد أن اكتسبت ماتشادو أكثر من 40 رطلاً.
قد تتعرض أميركا للإفلاس وتعاني من أعمال الشغب أو الإرهاب. لكن ذلك الأمر لا يهم، فمن الواضح أن بمقدورها الحنق على سنوات ماتشادو العشرين التي أمضتها في حالة نفسية صعبة، لما بعد الصدمة.
بمجرد تحديد فكرة الضحية، فإننا نخسر هواياتنا. وكجزء من الشعور الجماعي بالغضب، نطالب بالإعفاء الشامل عن كل أوجه القصور التي تعترينا.
وفي حالة إليسيا ماتشادو، فما الذي يهم لو هددت مثل تلك الضحية قاضٍ فنزويلي، كما قيل، أو تورطت، كما ورد ذكره، مع زعيم مخدرات، أو أصبحت درعاً لحماية حملة كلينتون؟ كل ذلك لا يعتبر شيئاً مقارنة بالصدمة التي قيل إنها لا تلائم البكيني الذي جعلها تفوز بلقب ملكة جمال الكون والشهرة.
أحيانا يصبح فن فكرة الضحية أمراً مربكاً. ففي حال كنا جميعا ضحايا نوعٍ ما، فمن بقي إذن ليكون الجاني؟
هل يمكن إدانة الضحايا؟ وفي حال كان الأمر كذلك، فعلى من يقع الاختيار؟
للأسف، فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، وتنظيم «داعش»، والصينيين ليس لديهم أي تعاطف لأي من الأميركيين الذين يطالبون بأن يكونوا مكان الضحية.
وكذلك فإن المشترين الأجانب لسندات التمويل الأميركية لا يعمدون لإرجاء مسألة الديون إلى جحافل الضحايا الأميركيين. ولن تستثني قنبلة نووية من كوريا الشمالية أو إيران الأميركيين حسب أعراقهم أو جنسهم أو طبقتهم الاجتماعية، أو على نحو أقل الضحية والمعتدي.
لإعطاء البطولة الأميركية حق قدرها، علينا قراءة مسرحية سوفوكليس «أنتيغون»، أو مذكرات «ذا أولد بريد» ليوجين سليدجي، ومتابعة مباريات كرة القدم بشكل أقل.