من المحتمل أن لا يتواصل الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مع الشعب الأميركي من خلال المؤتمرات الصحافية التقليدية في معظم الأحيان. ومن غير المرجّح أيضاً أنه سيرد على العديد من الأسئلة الواردة من صحافيي نيويورك وواشنطن.

ما نعرفه هو أن «وسائل الإعلام الأميركية» لم تتخيل فوز ترامب في الانتخابات، وأصبحت مرتبكة بواقع فوزه بالرئاسة. فليس مستغرباً بالتالي أن تكون وسائل الإعلام، التي تضمحل تدريجياً، قد خسرت ثقة الغالبية العظمى من الجمهور، وفقاً لمؤسسة «غالوب»، وأصبحت غير ذي صلة حتى في أوساط التقدميين.

وفي يوم من الأيام في الستينات، كان جميع مذيعي الأخبار المبدعين، من والتر كرونكايت إلى ديفيد برنكلي من الليبراليين، غير أن أولئك أخفوا على الأقل، انحيازهم الكامن وراء قناع من الاحترافية، سمحت لهم بتهذيب القصص الإخبارية من خلال عدسات يسارية دون أن يواجهوا اعتراضات كثيرة.

كما أن خطاب وسائل الإعلام من التيار السائد في عام 1963 القائل إن لي هارفي اوزوالد، قاتل الرئيس جون إف كينيدي الشيوعي المؤيد لكاسترو هو نتاج كراهية تكساس من أوساط اليمين، كان كلاماً خارج المعقول تماماً، لكن لم يجر التشكيك به.

وهذا الاحتكار القديم على الأخبار، على الرغم من ظهور تلفزيون الكابل والإنترنت، لا يزال قائماً حتى عام 2016. حتى في السنوات الأخيرة، كانت شهادات الصحافة «المتميزة»، عدا أسماء علامات مشهورة في مجال الإعلام، تبدو أنها أفضل إعلامياً مما يجري تقديمه من قبل المدونين والمواقع الإلكترونية.

وقد بدا مقدمو برامج ليبراليون معسولي الكلام على التلفزيون العام والإذاعة في الظاهر أشبه بمحترفي أخبار أكثر من نظرائهم الشعوبيين بصوتهم الأجش على الإذاعة والكابل التلفزيوني التجاري.

وعندما تنحرف الصحافة بلا خجل، فإن المتبرعين حتى تزداد رغبتهم لمزيد من التحيّز، بمن فيهم نجم الإعلام باراك أوباما.

في مؤتمره الصحافي الأخير كرئيس، هاجم أوباما الصحافيين الصغار لنقلهم ما سربه موقع «ويكليكس» عن رسائل البريد الإلكتروني لجون بوديستا، والتي يفترض أنها على حساب إرثه وإنجازات هيلاري كلينتون.

ومغامرة ويكليكس بالتأكيد برهنت على أنها كارثة أخرى على وسائل الإعلام، لكن هذا يعود فقط إلى واقع أنها كشفت عن أن الصحافيين من التيار السائد تآمروا مع حملة كلينتون. ارسل غلين ثروش من «بوليتكو» قصة إلى فريق حملة كلينتون لمراجعتها قبل نشرها.

وتوسل من أجل إبقاء تواطئه تحت الأضواء واعترف بأنه أصبح «مخترقاً إلكترونياً» في عدم اللياقة الصحافية. ويمكن أن يكون قد كوفئ على انحيازه اليساري غير المتوقع، بعد أن تم توظيفه أخيرا من جانب «نيويورك تايمز» كمراسلها في البيت الأبيض.

أخيرا، اقترح الكاتب بول كروغمان في نيويورك تايمز، عبر حسابه على تويتر الأمر الشنيع بأن ترامب يمكن أن يرحب بهجوم آخر شبيه بالحادي عشر من سبتمبر، نظراً لأن مثل هذه الكارثة الإنسانية من المفترض أنها ساعدت في كسب التأييد للرئيس الأميركي الأسبق جورج دبليو بوش.

وأخيرا، فإن صحافية أخرى من «بوليتكو»، هي جوليا يوفي استخدمت موقع «تويتر» لتروي قصة جديدة عن احتمال حصول ابنة ترامب، ايفانكا، على مكتب في البيت الأبيض. واقترحت في تغريدتها، أن ترامب يلتف على قوانين المحسوبية. ويعتقد بأن "بوليتكو" قامت إثر ذلك بطرد لوفي، رغم أنها أعلنت عن انتقالها من «بوليتكو» إلى «أتلانتيك».

«اتلانتيك»، من جهته، أعلن أنه لن يلغي الوظيفة المقدمة لها، مشيراً إلى أن انحيازها السياسي، على الرغم من فظاظته وافتقاره للاحترافية، إلا أنه من الممكن تفسيره بأنه أمر إيجابي للموقع.

في إعلام اليوم، يخدم كل هذا التشويه كبوليصة تأمين ضد هفوات النزاهة الشخصية، مثل حال ثروش ويوفي.

تحيز الصحافة التي مضى لها عقود كان مقبولاً، على ما يبدو، عندما لم تكن هناك بدائل للأخبار الأخرى. احتكارات وسائل الإعلام من التيار السائد كانت فيما مضى أيضا مربحة للغاية، وكان مذيعو الأخبار الليبراليون القدامى على الأقل مهذبين.

كل تلك الافتراضات لم تعد صحيحة. المنافذ الإعلامية مثل «نيويورك تايمز» و «أن بي سي» لم تعد تحظى بمصداقية أكثر من معظم المواقع الإلكترونية أو «ناشونال انكوايرر». فهل ما يثير الاستغراب في أننا نشهد جنازة الصحافة التقليدية كما عرفناها من قبل؟