كثيراً ما تسألني النخب الأفريقية، لماذا لا نرى في الصحافة الخليجية تقريراً مفصلاً صادراً عن النخب الخليجية حول ما يحدث في أفريقيا جنوب الصحراء، وتكون إجابتي هي عدم إقبال القارئ الخليجي على معرفة المشهد الميداني الأفريقي وعدم قراءة المراجع الصادرة عن النخب الأفريقية الذين تزخر بهم أفريقيا جنوب الصحراء، فمشكلة القارئ الخليجي أنه اعتمد على تقارير ومراجع لم تكتب بأيدي أفارقة، وبالتالي فهي لم تعبر عن مصالح ورؤية الشعوب الأفريقية بمقدار ما تعبر عن مصالح ورؤية دول أصحاب تلك المراجع، وانعكس ذلك على الرؤية السياسية الخليجية تجاه أفريقيا، وأصبح العائق الذي وقف حجر عثرة أمام الإدراك الخليجي لفهم ماهية أفريقيا، ومهمتي اليوم هي محاولة تصحيح ذلك لترسيخ الأساس لمفهوم العلاقات الخليجية الأفريقية للقرن الحادي العشرين، ولا أتمنى أن نصل في يوم ما إلى ما وصل إليه مارتن هايدغر عندما قال «لقد انشغلنا بمراكمة الإجابات فوق بعضها حتى نسينا الأسئلة».
بدأ النصف الأخير من يونيو الماضي في أفريقيا كأنه هرولة إلى القاع يتبارى فيها أولئك الذين وجدوا في السياسة مرتعاً يعيثون به فساداً في الأوطان، ففي الغابون ومن بعد عقوبة تصل لستة أشهر وغرامة تصل لخمسة ملايين سيفا لكل من يرتكب جريمة المثلية تم مؤخراً سن قانون بعدم تجريم المثلية، ولسنا بصدد مناقشة الدافع الذي دفع ليبرفيل للقيام بذلك إن كان ضغوطاً خارجية أو طموحاً لدى ليبرفيل لرضى المنظمات الدولية لغاية في نفسها، أما في هراري فتم إلقاء القبض على وزير الصحة الأشهر في أفريقيا عوبديا مويو بسبب اتفاقه غير القانوني مع شركة مجهولة قامت ببيع إمدادات طبية للحكومة بأسعار خيالية في ظل تفشي فيروس كورونا، وفي الكونغو رفض الرئيس فيليكيس تشيسكيدي تنفيذ قانون مكافحة الإفلات من العقاب، وأعلن أنه لا يرغب في التحقيق بمقتل 320 شخصاً قتلوا في تظاهرات 2015-2018، فهل كانت كينشاسا تنتظر غير ذلك؟ وأما في كوت ديفوار فقد أعلن الرئيس الإيفوري الأسبق هنري بيدي الذي حكم ساحل العاج في تسعينيات القرن الماضي وأطيح بانقلاب عسكري أنه سيترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة، ولمن لا يعرف الرئيس هنري هو صاحب المقولة الشهيرة «العلاج بالصدمة هو الذي يعيد الوطن إلى طبيعته» ولا أعلم إن كان الرئيس هنري يعلم أن عودته للحكم هي الصدمة، ولكنها قطعاً لن تُعيد الوطن لطبيعته.
في خضم تلك الأحداث التي أحبطت آمال الأفارقة لغدٍ أفضل قابلتها أحداث كانت بمقام إحياء لأفريقيا جديدة باتت تشكل نقطة فارقة في عالم اليوم، والتي كان إحداها محوراً لمناقشة تلفزيونية تشرفت بأن أكون فيها على قناة فرانس 24 الفرنسية، فالمغرب بعد عودته للاتحاد الأفريقي بعد قطيعة ثلاثة عقود بات يولي أفريقيا جنوب الصحراء الاهتمام الأكبر، وأصبح المغرب اليوم أكبر مستثمر في أفريقيا بعد جنوب أفريقيا، وهذا ما يدعم القول إن قوة الرباط الناعمة شكلت نقطة فارقة للسياسة الخارجية المغربية في أفريقيا جنوب الصحراء، وأما مؤتمر شركاء السودان فهو جاء منقذاً للاقتصاد السوداني ومعبراً عن تقسيم المصالح الدولية التي اتفقت على عدم التصادم في الخرطوم والعمل بما يتناسب والواقع السوداني، وأما ملاوي فلقد انفردت لكونها أول دولة أفريقية تفوز فيها المعارضة وذلك بوصول لازاروس شاكويرا الرئيس السابق لجمعيات الله إلى سدة الحكم، وفي بوروندي تمت إعادة منصب رئيس الوزراء بعد 22 عاماً واختيار ألان بونيوني وزير الأمن رئيساً للوزراء، إلا أن ما أثار التساؤل هو أن بونيوني مُدرج في جدول العقوبات الأمريكية منذ عام 2015 ما أكد أن اختياره لهذا المنصب هو تحدٍّ للعقوبات الأمريكية وسيقابله ردة فعل يبدو أن بوجمبورا مستعدة له بعد أن غادرت الجنائية الدولية.
هناك مثل أفريقي يقول «عندما تتوحد خيوط العنكبوت يمكنها أن تأسر الأسد» وأفريقيا اليوم رغم التحديات التي تحيط بها إلا أن هناك وعياً فكرياً بدأ يتلمس طريقه للنهوض وينادي بأهمية الوحدة بين الشعوب الأفريقية استرجاعاً للذات، وكل ما علينا اليوم هو الاستعداد لاستقبال أفريقيا الجديدة التي تحتاج منا الكثير لإدراكها والقليل لكسبها.
* باحثة إماراتية في الشـأن الأفريقـي