دعيت للمشاركة في حلقة نقاش حول القرن الإفريقي وعلاقاته بالخليج العربي عبر تقنية الزوم. وأعتقد أنني كنت الوحيد من منطقة الخليج العربي يشارك في هذا النقاش. وقد عقد هذا الحوار تحت قاعدة تشاتام هاوس. والقاعدة تلزم المشارك بالتحفظ على سرية المشاركين، ولكن من حق المشارك أن يناقش علانية ما دار من نقاش في نطاق أوسع.

وقد شارك في النقاش سفراء وخبراء من القرن الإفريقي ومصر ومن الولايات المتحدة وآخرون. وتعود العلاقات بين الجزيرة العربية والقرن الإفريقي إلى قرون عدة. إلا أن في الآونة الأخيرة برزت هذه العلاقة بشكل كبير لأسباب جيوسياسية. وأهمها أن البحر الأحمر الممر المائي المهم يحد الجزيرة العربية ودول القرن الإفريقي من جيبوتي وإرتيريا والسودان.

ويعتبر مضيق باب المندب من أهم المضايق المائية في العالم. بالنسبة لدول الخليج، فهو المضيق الثاني في الأهمية بعد مضيق هرمز. وتعتمد كثير من تجارة منطقة الخليج على هذين المضيقين (هرمز وباب المندب) في تصدير النفط والتجارة بوجه عام.

والحرب التي تدور رحاها في اليمن هي في الأساس حرب لمنع القوى المعادية للخليج من السيطرة على هذا المنفذ المائي، والذي يؤثر على كثير من المصالح الاستراتيجية والاقتصادية لدول الجزيرة العربية؛ مما حدا بأحد المتحدثين وهو سفير إثيوبي سابق بأن يقول إن دول الخليج أصبحت جزءاً من القرن الإفريقي؛ وإن هذا الأمر لا رجعة فيه.

وتحدث سفير سابق لجمهورية الصومال عن التحديات الكبيرة التي تواجه الصومال منذ أن اندلعت الحرب الأهلية في 1990، والتي لم ينطفئ أوارها بعد. وتحتل الصومال أطول شاطئ في دول القرن الإفريقي مما يعطيها أهمية استراتيجية. وبهذا السبب أصبحت الصومال منكشفة لديناميكية الصراعات الإقليمية.

وبسبب النزاعات الداخلية لا تستطيع الصومال أن تلعب دوراً إقليمياً يتناسب مع موقعها الاستراتيجي المهم لدول المنطقة. والصومال كما هو معلوم، منقسمة إلى ثلاث دول رئيسة: جنوب الصومال، وإقليم بلاد بونت، وجمهورية أرض الصومال.

ويضيف السفير الصومالي إن هناك بوادر أمل في الصومال قد يعزّز من فرص استقراره. وإن هناك نشاطاً دبلوماسياً بين ثلاث دول من القرن الإفريقي وهي إثيوبيا وإريتريا والصومال لتحقيق اندماج أكبر. ويقوم مشروع الاندماج على قضايا الأمن والبنية التحتية والتحالف على المستوى الدولي لتوحيد المواقف السياسية. وإذا ما كللت هذه الجهود بالنجاح، فإن أحوال الصومال والقرن الإفريقي ستكون أفضل حالاً.

وتعود العلاقات بين القرن الإفريقي والجزيرة العربية إلى الآلاف من السنين. وقد كانت أول هجرة للمسلمين إلى الحبشة قبل المدينة المنورة. وقد اكتسبت أخيراً مزيداً من الاهتمام بسبب محاولة دول من خارج الإقليم تأسيس موطئ قدم لها في المنطقة. حيث تحاول كل من تركيا وإيران تعزيز نفوذهما في المنطقة الاستراتيجية، والذي سيؤدي بالضرورة إلى إضرار بمصالح دول الخليج والجزيرة العربية.

وقد استثمرت دول الخليج، وخصوصاً الإمارات والسعودية، كثيراً في تعزيز الأمن الإقليمي في منطقة القرن الإفريقي. وتوسطت الإمارات ورعت السعودية اتفاق السلام بين إثيوبيا وإرتيريا. ووقعت الدولتان الجارتان اتفاق السلام في مدينة جدة في سبتمبر 2018، برعاية العاهل السعودي الملك سلمان بن عبد العزيز آل سعود.

واكتسبت منطقة القرن الإفريقي أهمية كبرى مع تدخل التحالف العربي في اليمن، بعد أن استولت حركة الحوثيين على صنعاء بعد انقلاب سبتمبر 2014. وأدى تدخل التحالف العربي بقيادة السعودية إلى منع تمدد الحكومة الانقلابية في أرجاء اليمن، وحصر النفوذ الإيراني والذي يهدد أمن دول المنطقة. ولا شك أن منطقة القرن الإفريقي هي آخر خط الدفاع لجنوب الجزيرة العربية، وبوابة البحر الأحمر من الناحية الجيوسياسية. وقد شهدت المنطقة نشاطاً محموماً للقرصنة والتي هددت الملاحة البحرية وتصدير النفط وخطوط التجارة بين دول المنطقة وأوروبا.

ولهذه الأسباب مجتمعة سنرى تزايداً في الاندماج بين الخليج العربي والقرن الإفريقي. وما يجمع الاثنين أكبر مما يفرقهما.