شهد قطاع الخدمات البريدية واللوجستية تحولاً هائلاً على مدى العقود الماضية مع التوسع والنمو الكبيرين في الخدمات اللوجستية وتوصيل البريد السريع، ما أدى إلى ارتفاع حجم العقود ومعاملات الدفع وتتبع عمليات الطرود في مختلف أرجاء العالم. وتسارعت هذه التطورات بشكل أكبر خلال السنوات الأخيرة في أعقاب الطفرة التي سجلتها التجارة الإلكترونية، حيث شهدت نمواً غير مسبوق أخيراً، وباتت جزءاً لا يتجزأ من نمط حياة الناس في ظل تفشي وباء «كوفيد 19».
وفي خضم هذه الاتجاهات والتحولات، تمهد تقنيات التحول الرقمي، مثل «بلوك تشين»، الطريق أمام حصول تغييرات إيجابية ومهمة في قطاع البريد والطرود البريدية واللوجستيات.
وتتمتع تقنية «بلوك تشين» بالقدرة على تعزيز موثوقية تسليم البريد والطرود البريدية، خصوصاً لعمليات الشحن عبر الحدود من خلال تسهيلها الخدمات اللوجستية وتسريع وتيرتها، وتحسينها مستويات الشفافية وإمكانية تتبع الشحنات عبر سلسلة التوريد، وأتمتة العمليات كإضافة العقود الذكية.
وبدأت قطاعات متنوعة مثل الخدمات المصرفية والمالية والسفر والسياحة وتجارة التجزئة والرعاية الصحية في جني فوائد تقنية «بلوك تشين» من خلال تزويد المتعاملين بتجربة أكثر أماناً وسلاسة، حيث بات هذا الاتجاه معتمداً أيضاً في قطاع التجارة الإلكترونية.
ويرتكز جوهر تقنية «بلوك تشين» على كونها سجل حسابات مشتركاً يوفر قاعدة بيانات، يسمح بتسجيل المعاملات بكل شفافية، ويوفر بيانات غير قابلة للتغيير مع الأختام الزمنية.
وتتيح هذه الميزة إمكاناتٍ هائلة ترسّخ موثوقية وأمن الخدمات البريدية واللوجستية، ويمكن اعتبارها من أبرز الحلول القيّمة في عصرنا الحالي.
ويعد تطبيق السياسات الفعالة والقائمة على أحدث التقنيات مثل «بلوك تشين» أمراً ضرورياً لتعزيز موثوقية المنظومة الاقتصادية، وضمان أمن البيانات، والحماية من الأنشطة التشغيلية المشبوهة.
ومن هذا المنطلق، تحرص مؤسسات الخدمات البريدية في مختلف أرجاء العالم على توظيف إمكانات تقنية «بلوك تشين» من أجل تعزيز دور المنظومات البريدية كقنوات للتواصل بين الناس والشركات والحكومات.
وتعد الإمارات من الدول السباقة في تبني التقنيات المبتكرة، فضلاً عن كونها تتمتع بأعلى معدل لاستخدام الإنترنت في المنطقة، مما يعزز قدرة الدولة على تقديم نموذج رائد في إدماج تقنية «بلوك تشين» في نظامها البريدي بهدف تلبية احتياجات وتطلعات الأشخاص والشركات وأفراد المجتمع، وبما يتماشى مع رؤية الدولة للسنوات الخمسين المقبلة.
ونحرص في «مجموعة بريد الإمارات» على رسم خارطة طريق واضحة لتطبيق تقنية «بلوك تشين»، تعتمد على الركائز الأساسية، بما في ذلك وضع هدف استراتيجي مبني على مؤشرات واضحة، وبناء قدراتنا، وتوطيد أواصر تعاوننا مع شركائنا من القطاعين الحكومي والخاص.
وفي ظل التحول الرقمي الذي يقود موجة النمو الجديدة في العديد من القطاعات، ستشكل تقنية «بلوك تشين» العمود الفقري في عملية معالجة التحديات الحالية ضمن أنظمة التسليم، خاصة مع دمج التجارة الإلكترونية في الخدمات الأساسية لقطاع البريد.
وتبرز تقنية «بلوك تشين» باعتبارها تطوراً نوعياً للارتقاء بفعالية إدارة عمليات الشحن والخدمات اللوجستية وسلسلة التوريد، ومعالجة القضايا الملحة مثل عدم كفاءة الخدمات، وتنظيم مشاركة أطراف ثالثة، ومواجهة الهجمات السيبرانية، وغيرها من التحديات. وستكون تقنية «بلوك تشين» قوة دافعة لنجاح أي أعمال جديدة أو قائمة، استناداً إلى الحلول الشاملة والمنظمة والشفافة والفعالة التي تقدمها، ما يلغي الحاجة إلى وجود وسطاء أو أطراف ثالثة.