توفي ستيف جوبز منذ أكثر من عقد من الزمن، لكن عبقريته لا تزال سائدة في قطاع التكنولوجيا. وقام المؤسس المشارك لشركة «أبل» بتعليم المديرين التنفيذيين الآخرين.

أنه بغض النظر عما يجري داخل غلاف الهاتف الذكي أو تحت غطاء جهاز الكمبيوتر، فإن الشيء الوحيد الذي يثير اهتمام المتسوقين هي المنتجات والخبرات التي كان يحب تسميتها بـ «السحرية». لذلك كان من المفاجئ مشاهدة شركة «أبل» تعطي تلك الأهمية للأداء التقني لرقائقها الإلكترونية المصممة داخلياً أخيراً. وكانت الشركة قد خرجت أولاً، بتصميم لمعالج جهاز «آيباد» الفريد الذي مضى عليه أكثر من عقد، ووصلت براعتها في السيليكون إلى الصدارة منذ عام 2020، عندما بدأت الشركة في استبدال معالجات «إنتل» داخل جهاز «ماك» برقائقها الإلكترونية «إم 1».

ومنذ ذلك الحين، حققت الشركة مكاسب في الأداء أطاحت بالمنافسين. وقد جرى تبني نسختين أكبر من «أم1» لاحقاً، ثم جمعت شركة «أبل» هذا الأسبوع اثنتين من أكبر رقائق «إم 1» لتشغيل محطة عمل جديدة تستهدف محترفي تحرير الفيديو.

وفيما قد تثير مواصفات تلك الرقائق مشاعر الملل عند الزبون العادي، إلا أن تلك المعالجات المصممة داخلياً أصبحت مركزية في طموحات كبرى شركات التكنولوجيا، وتضم وحدة معالجة «تي بي يو» لشركة «غوغل» المحددة بتطبيق مسرع الذكاء الاصطناعي، ورقائق مركز البيانات «جرافيتون» من «أمازون نت». وبالنظر إلى الأبعاد التي تعمل عليها مثل تلك الشركات، قد تنذر رقائقها المصممة داخلياً بإعادة تنظيم الصناعة على نطاق أوسع.

ومن التفسيرات المطروحة للتركيز الجديد على تصميمات الرقائق داخلياً، هي كمية الرقائق التي تلتهمها شركات التكنولوجيا الكبرى. وتفسير آخر هو أنه بإمكان تحسينات طفيفة في معادلة السعر /‏‏ الأداء، للتطبيقات الأكثر تطلباً، أن تسفر عن مكاسب كبيرة. فوحدات «تي بي يو» لـ «غوغل» والتي تم تطويرها للتعامل مع تعلم الآلة ذات البيانات الكثيفة، أصبحت الأهم في الدوائر المتكاملة «إيه إس أي سي» المصممة لمهام محددة. وعلى نحو مماثل، قد يمنح التمويل الضخم لشركة «تسلا» في رقائق الذكاء الاصطناعي الشركة يوماً ما ميزة في المركبات ذاتية القيادة.

وفي غضون ذلك، كانت سلسلة التوريد المعقدة لصناعة الرقائق الإلكترونية تتطور لتسهيل دخول مثل تلك الشركات. بالنسبة إلى «أبل»، كان هذا يعني استخدام التصميمات من المزود التكنولوجي «آرم» كلبنات أساسية لرقائقها، وعلى الجانب الآخر الاستفادة من خطوط الإنتاج الأكثر تطوراً لـ «شركة تايوان لصناعة أشباه الموصلات» في إنتاج معالجات بمواصفات رائدة عالمياً.

إن قدرة الشركات التكنولوجية على دمج تصميم الرقائق الإلكترونية في خطط تطوير التكنولوجيا الأوسع نطاقاً لديها، هو ما سيمنحها الميزة الأهم، ويطرح في المقابل أكبر تحد على صانعي الرقائق التقليديين.

ويمكن أن يأخذ هذا الدمج أشكالاً عدة. فتستطيع «خدمات الحوسبة السحابية» جلب رقائق جديدة من مختبرات «انابوربنا» للتصميم لديها إلى التصنيع فور إنتاجها، كما أفادت شركة «أبل» أن جميع تطبيقاتها تعمل أسرع على رقائقها الخاصة.

ومنذ وقت ليس ببعيد، أعطت «غوغل» لمحة عن الفوائد العديدة المتأتية من تصميم رقائقها الإلكترونية الداخلية، حيث حددت 10 دروس تعلمتها من بناء «تي بي يو» الخاصة بها منذ عام 2015. وتلك تتراوح من الاقتصادية (تكمن الأهمية في التكلفة الكاملة للنظام وليس فقط الرقائق) إلى التقنية للغاية (تعظيم الرقائق إلى أحدث التقنيات ممكن في مجال تصميم الشبكة العصبية).

ومع تحقيق مكاسب أقل من مجرد تقليص أحجام الميزات في الرقائق، وفقاً لما أفاد به باحثو «غوغل»، فإن الأمل الأفضل لتحقيق قفزات جديدة إلى الأمام في السرعة والأداء يكمن في التصميم المشترك للأجهزة والبرامج والشبكات العصبية، شيء له الأولوية في قوة الشركات التي تقوم بكل تلك الأشياء تحت سقف واحد.

وحتى الآن، كانت أهم اهتمامات صناعة الرقائق تنصب على وحدات المعالجة المركزية، مما أدى إلى تسريع تغلغل تصميمات «آرم» في أسواق كانت حكراً على بنية «اكس 86 انتل» لفترة طويلة.

وقد تكون الشركة التالية التي ستواجه وضعاً غير مريح هي «نفيديا»، التي أصبحت شركة الرقائق الأكثر قيمة في العالم بفضل وحدات معالجة الرسومات الخاصة بها، والتي تم تطويرها في البداية لألعاب الفيديو، لكنها تستخدم الآن على نطاق واسع في تطبيقات «الحوسبة المتسارعة» مثل تعلم الآلة.

هذا الأسبوع، قارنت «أبل» شرائح «إم1» الأحدث لديها على نحو إيجابي مع وحدات معالجة الرسومات المتطورة من «نفيديا». وزعمت «ايه دبليو ـس» أيضاً تحقيق مكاسب أداء كبيرة على «نفيديا» من الجيل الثاني من رقاقة «تراينيوم» الخاصة بها.

وسيكون اختبار النجاح الحاسم في مدى قدرة الرقائق الجديدة على نقل شركات التكنولوجيا الكبرى إلى أسواق جديدة. بالنسبة إلى شركة «أبل»، قد يشمل ذلك المركبات ذاتية القيادة وسماعات الرأس للواقع الرقمي والمعزز. فتلك السلع تتطلب قفزة هائلة في معالجة الطاقة. بيد أنه إذا كانت روح ستيف جوبز لا تزال حية في المقر الرئيسي لشركة «أبل»، ستكون تلك الرقائق آخر شيء في أذهان الناس عندما يأتي اليوم الذي تظهر فيه على الملأ.

ترجمة: نهى حوّا