تهذيب النفس إرادة وإدارة

ت + ت - الحجم الطبيعي

من أهم ما يحتاج إليه الإنسان تهذيب نفسه، وإدارة ذاته، والعمل بكل ما يرتقي به، ويُسعده في دنياه وأخراه، ولا غنى له عن ذلك في أي شأن من شؤون حياته، فلا بد له من إرادة قوية تدفعه إلى تحقيق أهدافه والقيام بمسؤولياته المتنوعة باقتدار، كما لا بد له كذلك من إدارة ناجحة لكافة العناصر اللازمة للوصول إلى هذه الغايات والأهداف، سواء حسن إدارته لأفكاره أو عواطفه أو سلوكياته أو مهامه أو وقته أو الظروف الطارئة والمعوقات التي تعترض طريقه، أو غير ذلك من العناصر.

ويرتكز مبدأ الإرادة على وعي الإنسان بأنه كائن حر مختار، وأنه مسؤول عن تصرفاته أمام الله تعالى، وأمام كل من له حق عليه، يحاسب عليها ويجازى، وأن عليه حقوقاً والتزامات يجب عليه الوفاء بها، وبهذه الأسس التي ذكرتها من الحرية والمسؤولية والاعتراف بالحقوق والواجبات يقوم الإنسان بتوجيه جهوده نحو المسار الصحيح، ويروّض نفسه لتسير فيه، وأول ذلك وأهمّه علاقته مع خالقه سبحانه، الذي وهبه الحياة، وسخَّر له النعم، فكل نَفَس من أنفاسه ولحظة من لحظاته هبة كريمة، فيسلك طريق الشكر والعرفان بحب ورغبة.

والمحبة هي من أهم محركات الإرادة والدافعية نحو الطاعات والأعمال الصالحة، بل نوه بعض العلماء، مثل ابن تيمية، وكذلك تلميذه ابن القيم، بأن الحب هو أصل كل حركة وفعل في العالم، وصرَّحا بأن المحبة هي أصل كل عمل ديني، وهي أصل الإيمان، وأن الخوف والرجاء وغيرهما يرجعان إلى المحبة، فإن الراجي إنما يطمع في ما يحبه، والخائف يفر لينال ما يحبه كذلك، ومتى ازداد المؤمن محبة لله ولرسوله ازداد طاعة وإقبالاً على الخير وأداءً للحقوق والواجبات، ومن ذلك أن يلاحظ آثار نعمة الله تعالى وعظمته في كل شيء، فيزداد له محبة وتعظيماً، فيكون كما قال تعالى: {والذين آمنوا أشد حباً لله}.

ومن أهم محركات الإرادة والمحبة كذلك النظر في العواقب الحميدة بعين اليقين والتفاؤل والأمل، فإذا تأمل الإنسان ما يترتب على فعل الخير والبر والعمل الصالح ومد العون للآخرين، بما يشمل حتى الابتسامة والكلمة الطيبة التي تزيل الهموم وتسلي عن المحزون من العواقب الحميدة التي يقطف ثمارها في الدنيا قبل الآخرة، لأقبل عليها بحب وإرادة، ليجني السعادة والراحة والطمأنينة وتوفيق الله له ومعيته وتيسيره لأموره، فضلاً عن الثواب الذي ينتظره في الآخرة، فتهون في عينه ما في هذه الأعمال من مشاق وجهد وصبر، ليظفر بتلك العواقب الحميدة، فقد يستصعب الإنسان فعل بعض الأشياء أو يكرهها، كشرب الدواء أو بعض العلاج مثلاً، لكنه يمتثل لهذه الأشياء لكونها أسباباً للشفاء والعافية، وهو يحب العافية والصحة، فمحبته تحصيل العافية أقوى من كراهيته شرب الدواء، فيهون عليه ذلك في مقابل ما يجنيه من ورائه.

وهكذا نلاحظ أن الوالدين عندما يعطيان أبناءهما الصغار الدواء يقرنان ذلك بنتائجه الحميدة، فيقول أحدهما لابنه: اشرب الدواء حتى تشفى وتتحسن، ولا يزال يسايسه ويحاول إقناعه حتى يشرب، وهكذا النفس، لا بد لصاحبها أن يسايسها ويذكّرها بالعواقب الحميدة، كي ترغب وتقبل على الخير، وقد قال الشاعر:

‌والنفسُ ‌كالطفل إن تُهمله شبَّ على … حبّ الرَّضاع وإن تفطمه ينفطمِ

ومن محركات الإرادة كذلك ردع النفس بتذكر العقاب الذي يترتب على ترك الخير وفعل الشر، فكما أن رغبة الإنسان في الفوز بالثواب تُحرّك إرادته، فكذلك خوفه من العقاب، ومن ذلك أيضاً التعوّد والتصبر، بأن يعوّد الإنسان نفسه على ما ينفعه، حتى يصبح ذلك طبعاً له وعادة مستدامة، إلى غير ذلك من الأسباب التي تعين الإنسان على تقوية إرادته وعلو همته لفعل ما ينفعه في دنياه وأخراه.

فإذا نجح الإنسان في إشعال فتيل إرادته والانطلاق نحو أهدافه التي خطط لها مسبقاً فلا بد له من إدارة صحيحة لينجح في مسيرته، بأن يسير على علم وبصيرة، ورؤية واضحة منيرة، وينهج نهج الوسطية والاعتدال، ويحسن إدارة نفسه، واستثمار مواهبه، والاستفادة من الإمكانات المتاحة، والتحلي بالنظرة الإيجابية والحكمة والعقلانية، وضبط عواطفه وانفعالاته، فيعتلي قمم الإنجاز والنجاح بهمة عالية، وجهود موفقة سديدة.

 

Email