كانت نتائج استطلاعات الرأي التي أجريت في نهاية العام الماضي بشأن آفاق الاقتصادي العالمي في العام الجاري، في كلٍ من الولايات المتحدة الأمريكية، المملكة المتحدة، دول الاتحاد الأوروبي، كئيبة بلا هوادة، وكانت تعج بتوقعات بحدوث كساد، ارتفاع معدّلات البطالة ومشاكل تضخمية مستمرة. وجاءت تصريحات كريستالينا جورجيفا رئيسة «صندوق النقد الدولي»، وتوقعاتها المتشائمة بشأن تعرض ثُلُث الاقتصاد العالمي على الأقل لموجة كساد في 2023، لتكتمل بها ملامح الصورة الكئيبة للاقتصاد العالمي في 2023.

ولكن لحسن الحظ، فإن كافة هذه الأحاديث، من المُرجّح أن تبدو خاطئة، كونها تنطوي على ثغرات. وعليه، فيتعين علينا أن نتفاءل، ولو قليلاً.

إن الدلائل المتعلقة بأداء الاقتصاد العالمي المتوقّع في 2023، ليست سيئة، كما يُردد غالبية خبراء الاقتصاد العالمي، بل إننا من المُرجّح أن نُنهي العام الجديد ونحن أغنى، أكثر أماناً وقناعة مما كنا في بدايته.

ليس ثمّة شك أن الظروف الاقتصادية العامة السائدة حالياً على مستوى العالم صعبة، فشركات وعائلات ما زالت تتجرع التداعيات الاقتصادية الناجمة عن تفشي جائحة «كوفيد 19»، ثم التضخم الناجم عن الأزمة الروسية الأوكرانية، ومن أبرز معالمه، الارتفاعات الحادة في أسعار كلٍ من الطاقة والغذاء. ولكن، ما لا يقوله الخبراء الاقتصاديون العالميون، إن أسوأ التأثيرات الناجمة عن كل ذلك قد ولّت بالفعل.

ويستند جزء من تفاؤلي الكبير، إلى خطأ هام وشبه عالمي تقريباً في صياغة التوقعات الاقتصادية وبثها إلى الناس. فعلى سبيل المثال، سيقت الأحداث والوقائع الاقتصادية الماضية التي جرت بالفعل، وقُدمت إلى الناس باعتبارها توقعات ستحدث لاحقاً.

وللتدليل على ذلك، فإن «صندوق النقد الدولي»، توقّع في أكتوبر الماضي أن يتراجع نمو الاقتصاد العالمي من 3.2 % في 2022، إلى 2.7 % في 2023. ودعّم هذا التوقع تصريحات جورجيفا، والتي توقعت فيها أن تكون 2023 أشد صعوبة من 2022. وتتمثل المشكلة هنا، في أن المعلومات التي تصل إلى الناس في سياق هذه التوقعات، لا تتطابق مع قراءاتهم الاقتصادية السليمة للأحداث، وتفسيراتهم المنطقية لها، خاصةً من كان منهم له دراية بالاقتصاد العالمي.

فإذا ترجمنا الأحداث إلى الأنشطة الاقتصادية التي جرت خلال 2022، فإن قراءتنا لها ستختلف تماماً. وبتعبير أوضح، فإن «صندوق النقد الدولي»، يتوقع أن يتراجع نمو الاقتصاد العالمي في 2023 إلى 2.7 %، ولكن هذه النسبة في واقع الأمر، أعلى من نسبة 1.7 %، والتي يرى الكثير من المتعمقين في الاقتصاد العالمي، أنها تمثل التقدير السليم لنمو اقتصاد العالم في 2022.

وليس «صندوق النقد الدولي» وحده هو الذي يطرح للناس توقعات اقتصادية، يجد مسؤولوه صعوبة في تفسيرها وشرحها، فقد توقع تقرير صادر من «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية»، في نوفمبر الماضي، أن يتراجع نمو الاقتصادات المتقدمة في 2023، إلا أن التقرير نفسه يتوقّع أن يتحسن نمو الاقتصادات المتقدمة في كل ربع من أرباع 2023. غالبية من يقرأ هذه التوقعات، سيفسرها كتقدم، وليس كتراجع.

يتعين علينا الانتباه إلى هذا الإخفاق في ترجمة التوقعات الرقمية إلى سرد واضح، مفصّل ومقنع لعامة الناس، ممن ليسوا على دراية كافية بعلم الاقتصاد. إن هذا الإخفاق، يخلق توقعات كئيبة بلا داعٍ. ومن ثمّ، الاعتراف بهذه الثغرات في طرح البيانات الرقمية المتوقعة، ثم معالجتها عند سردها لنا، من شأنه أنه يجعلنا أكثر سعادة بشأن آفاق الاقتصاد العالمي في 2023. فمثلاً، توقعت «منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية»، أن يبلغ متوسط سعر بيع الغاز بالجملة في أوروبا 150 يورو على مدار 2023 و2024، إلا أن التوقعات الحالية الصادرة من قلب السوق، لا تتجاوز نصف هذا المستوى. وإذا صحّت توقعات السوق، والأقرب للمنطق والأرجح أن تصح، فسيكون ذلك بمثابة دفعة رائعة لآفاق الاقتصاد في أوروبا. فمن شأن الانخفاض في أسعار الطاقة، أن يحسن التوقعات بشأن الدخل، النمو الاقتصادي، والإنفاق الحكومي، بينما في الوقت نفسه، سيخفض معدلات التضخم المتوقّعة، ذلك أن أوروبا مستوردة نهمة للطاقة.

وبينما نبدأ 2023، يمكننا أن نردد هذه الحقائق بثقة وتفاؤل، أن أداء الاقتصاد العالمي في العام الجديد، سيكون أفضل من المنصرم، وعليه، نعيش العام بتفاؤل، حتى وإن كان حذراً.

 

* كاتب في صحيفة «فاينينشال تايمز» البريطانية

ترجمة بتصرف: سيد صالح