الأحداث متلاحقة في عالمنا اليوم، وتتسم وتيرتها بالاضطراب المتزايد، بينما التحديات المستجدة تفرض وقفات عاجلة من التأمل والتفكير. وربما لا يكون من المبالغة القول إن كل حدث وتحد يستدعي بحد ذاته قمة دولية طارئة، على أعلى مستوى.

ورغم ذلك، تبقى هناك حاجة كبيرة إلى نوع من التفكير الاستراتيجي، الذي لا يحد نفسه بالأجندة اليومية، ولكنه يربط نفسه بالمستقبل؛ هذا ما تمثله القمة العالمية للحكومات، التي رسخت كمنصة ومنبر للتفكير الاستراتيجي، مستفيدة من رصيد عشر سنوات، ومراكمة الدورات والمشاركات القيمة، بأجندة محكمة، وبرنامج واضح، يناقش حزمة من القضايا الجوهرية، في امتداد لدورها بوصفها أكثر منصة عالمية تأثيراً وقدرة على صنع الفارق في استشراف المستقبل وطرح المبادرات الاستباقية، وتجمع تحت مظلتها في كل عام نخبة من القادة والمسؤولين وصنّاع القرار وقادة الفكر والمختصين والمؤثرين.

والواقع، إن أهمية القمة تنبع من حقيقة أن الحضارة الإنسانية تحتاج مثل هذا الجهد المكرس لإيجاد حلول مبتكرة للتحديات العالمية وتصميم التوجهات الجديدة ومستقبل الحكومات، باعتبار أن السياسات والحكومات هي حجر أساس في إدارة حاضر ومستقبل البشرية.

لقد أثبتت القمة العالمية للحكومات عبر دوراتها الماضية أهمية الأطر غير التقليدية من العمل والتفكير، وكذلك ضرورة مثل هذه المنصة التي تجمع المسؤولين والمختصين والسياسيين والخبراء والمفكرين، وصناع القرار؛ وهو ما يضمن إدخال مفاهيم الاستباقية والابتكار على عمل الحكومات، ونقلها إلى منطقة الأداء المبادر الذي يتعامل مع قضايا المستقبل وتحدياته.

وتجسد إنجازات القمة عبر دوراتها السابقة، رؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم نائب رئيس الدولة رئيس مجلس الوزراء حاكم دبي، رعاه الله، التي تحض على التفكير خارج الصندوق، والتحرر من الصيغ التقليدية في التفكير والعمل.

وهنا، لا يمكن إلا الانتباه إلى التعدد والتنوع الذي تمثله القمة، في نوع المشاركات، وطبيعة القضايا التي تتناولها، وطبيعة الأفكار والمنطلقات التي تشارك في منصة النقاش، ومحاولة تقديم الحلول الابتكارية، التي يمكن أن تنقل الحكومات من كونها تقليدية إلى نوع من القيادة الابتكارية.

إنها مسيرة انطلقت منذ العام 2013، وتستمر إلى اليوم. وهذا يعني أن القمة تلبي حاجات واقعية ملحة، وتملأ مساحات واسعة من التعاون وتبادل الرأي والخبرات العالمية.

ويتضح حجم النجاح الذي حققته هذه القمة، من التطور على بنيتها، الذي حصل في دورتها الرابعة، حينما أدخلت عليها مجموعة من التغييرات الجذرية؛ لتحويلها من حدث عالمي إلى مؤسسة عالمية تعمل على مدار العام، وتركز على استشراف المستقبل في جميع القطاعات.

وتهتم القمة أيضاً بقضايا المنطقة، حيث مثل الحوار حول استئناف الحضارة، الذي أطلقه صاحب السمو الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم، إضاءة قوية على حقيقة أن العالم العربي يمتلك رصيداً ومصدراً زاخراً بالفكر والتجارب، التي يمكن أن تكون منبعاً لاجتراح الحلول لمواجهة التحديات الجسيمة، التي تعترض مسيرة الدول العربية في النهوض بواقعها، واستثمار الفرص والإمكانات المتاحة، وهي كثيرة.

منذ تلك الدورة، أصبح التحدي العربي الأول هو: استئناف الحضارة. وبكلمات أخرى، باتت القمة تمثل دعوة لاستئناف الدور الحضاري والإنساني. وهذه أهم دعوة يمكن توجيهها إلى عالمنا.

من جهتها، أعلنت الإمارات في تلك الدورة عن مشروع «المريخ 2117»، ونعلم جميعاً اليوم أن الإمارات لم تكتف بهذه الدعوة، ولكنها حققتها فعلاً، فدخلت نادي الدول الفضائية.

ومن هنا، إن كانت الإمارات قد نجحت عبر هذه المنصة في التوجه نحو المريخ، فإن عالمنا العربي، بقليل من الإيمان والثقة، يمكنه أن ينتقل إلى استئناف الحضارة. تلك الدعوة التي صدرت عن القمة العالمية للحكومات.