قبل سبعة أعوام من الآن، في مثل هذه الأيام المباركة، يوم الاثنين العاشر من شهر ذي الحجة عام 1437 هجرية، الموافق للحادي عشر من شهر سبتمبر عام 2016 ميلادية، كتبت في هذا المكان مقالاً تحت عنوان «أمة تنتحر». كان المقال عن حال الأمة الذي وصفه وقتها الشيخ عبد الله بن بيه، أحد أكبر علماء الأمة المعاصرين، بأنه كارثي.
ويوم الاثنين التاسع من شهر ذي الحجة عام 1439 هجرية، الموافق للعشرين من شهر أغسطس عام 2018 ميلادية، كتبت مقالاً في هذا المكان تحت عنوان «أمة تختنق». كان المقال عن حال الأمة أيضاً. قلت فيه إننا أمة تختنق بأفكار الظلاميين المارقين، الذين يدعون إلى العنف والقتل وإبادة الجنس البشري، ويدّعون أنهم وحدهم من يمثل الأمة، وكأنهم هم من تلقى الوحي من السماء، أو من كُلِّف بأداء الرسالة وهداية البشر.
ويوم الاثنين التاسع من شهر ذي الحجة عام 1442 هجرية، الموافق للتاسع عشر من شهر يوليو عام 2021 ميلادية، كتبت في هذا المكان أيضاً مقالاً تحت عنوان «أمة تنتظر». قلت فيه إننا أمة تنتظر من يقرر لها مصيرها بعد كل الأزمات والانتكاسات والخيبات التي مرت بها، ولم تتعلم منها دروساً تنفعها في قادم الأيام.
ويوم الثلاثاء الثالث عشر من شهر ذي الحجة عام 1443 هجرية، الموافق للثاني عشر من شهر يوليو عام 2022 ميلادية، كتبت في هذا المكان مقالاً بعنوان «أمة تتطلع». تحدثت فيه عن المخاطر التي تحيط بنا، وقلت إننا أمة تتطلع إلى لملمة ما تبعثر من كيانها، وتأمل في الخروج من المأزق الذي وجدت نفسها فيه بأقل الخسائر، وهي مهمة صعبة، لكنها ليست مستحيلة.
واليوم، الثلاثاء التاسع من شهر ذي الحجة عام 1444 هجرية، الموافق للسابع والعشرين من شهر يوليو عام 2023 ميلادية، نقف مثلما وقفنا خلال تلك الأعوام، لننظر إلى حال الأمة، محاولين استشراف مستقبلها، في الوقت الذي يقف فيه الحُجّاج على صعيد عرفات، رافعين أيديهم مبتهلين إلى الخالق الكريم أن يغفر ذنوبهم، ويكفر خطاياهم، ليعودوا كما ولدتهم أمهاتهم، ويخرجوا من ذنوبهم كما يخرج المولود من بطن أمه، مُطهَّراً خالياً من الذنوب والخطايا.
لا شك أن من ينظر إلى حال الأمة اليوم، بعد كل الأحداث التي مرت بها، وهي أحداث قاسية وأليمة، خسرت خلالها الكثير من قوتها، وتراجعت مكانتها بين الأمم، وفقدت بعض دولها السيادة على أراضيها، وأدت التحالفات التي قامت بها الفئات المتصارعة مع بعض القوى الإقليمية والدولية، إلى سيطرة هذه القوى على قرارها، وهو حال محبط دون شك، لكن ما يبعث في النفوس الأمل، هو نهوض بعض دول الأمة بأدوارها، وظهور قيادات شابة، استطاعت أن تأخذ بزمام المبادرة، وتفسد على القوى الكبرى المؤامرات التي تحيكها لإضعاف الأمة، وتسليم السلطة في بعض الدول ذات التأثير الكبير في مسيرتها إلى جماعات ذات أجندات سياسية خبيثة، تتستر بالدين للوصول إلى السلطة، بهدف تحقيق الأهداف التي عجزت عن تحقيقها وهي خارجها.
كما يبعث الأمل في النفوس أيضاً، أن هذه القيادات لم تعد تنخدع بوعود وتصريحات قادة بعض الدول العظمى، التي كنا نعدّها حليفة، فغدت تواجهها بحقيقة مواقفها المحبطة والمخيبة للآمال. ولا أدل على هذا، من اعتراف الرئيس الأمريكي الأسبق باراك أوباما في مذكراته التي أطلق عليها «الأرض الموعودة»، بمواقف هذه القيادات، عندما وصف صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، قائلاً إنه «شاب محنك، وربما أذكى زعيم في الخليج.
لم ينمق الكلمات في وصف كيفية تلقي الأخبار في المنطقة»، ذاكراً ما دار بينه وبين سموه حول الأحداث التي كانت تجري في مصر عام 2011 م، قائلاً إن سموه حذره من أنه إذا سقطت مصر وتولى «الإخوان المسلمون» زمام الأمور، فقد يسقط ثمانية قادة عرب آخرون، مضيفاً: «ولهذا انتقد بياني، إذ قال يظهر أن الولايات المتحدة ليست شريكاً يمكننا الاعتماد عليه على المدى الطويل»، وواصفاً سموه بقوله: «كان صوته هادئاً، وأدركت أنه لم يكن طلباً للمساعدة، بقدر ما كان تحذيراً».
لهذا قاد سموه، حفظه الله، عملية لتغيير التحالفات في الشرق الأوسط، فاتجه ناحية روسيا والصين والهند واليابان، وغيرها من الدول ذات الحجم المؤثر والاقتصادات الكبرى، لتكوين تحالفات جديدة، كيلا يكون العرب تحت رحمة حليف واحد، أكدت التجارب أنه غير مأمون الجانب، وقد أثبتت هذه السياسة نجاحها.
في هذا اليوم المبارك، لا نملك إلا أن نرفع أيدينا بالدعاء، ممزوجاً بالأمل والرجاء، مبتهلين إلى الله أن يُصلح حال الأمة، كي تعود إليها عزتها وكرامتها وقوتها.