استدامة العمل والمناخ والهمة

ت + ت - الحجم الطبيعي

في دورة حياة كل مؤسسة ودولة حقبة زاهرة تبلغ فيها «ذروة الأداء» المتميز ولكنها تصبح مصدراً للقلق حينما تكون مرتبطة بحماسة وإخلاص ثلة من القياديين والعاملين. ذلك المشهد يصبح مبعثاً للفخر في حالة واحدة فقط وهي إذا ما كان مرتبطاً بالتنمية المستدامة أو سياسات تضمن استمرار النتائج نفسها بغض النظر عن الأفراد.

مفوضية الأمم المتحدة للبيئة والتنمية عرفت التنمية المستدامة في سنة 1987 بأنها «التنمية التي تفي باحتياجات الوقت الحاضر من دون المساس بقدرة الأجيال القادمة على تلبية احتياجاتها الخاصة».

فما فائدة أن نتباهى بذروة الأداء المرتبط «بأشخاصنا» الزائلين. العالم من حولنا صار يتجه بقوة نحو الاستدامة في كل شيء، ولا تكاد تجد خطة حكومية ومنه العالم النامي، إلا وفيها إشارة لمؤشر استدامة، بيئية، واقتصادية، وإدارية، وتعليمية وغيرها.

لا يمكن أن نضمن التقدم من دون ترسيخ دعائم الاستدامة في كل شيء. نحن نحاول أن نقلص دائرة الاجتهادات الفردية حتى نضمن أن يكون أداؤنا محققاً لمبدأ التوازن الذي لا يضر بالبيئة المحيطة، ولا بالاقتصاد، ولا بالمجتمع فما فائدة أن أحقق الاكتفاء الذاتي من الموارد البشرية في عامين ولكنني لم أضع برنامجاً يضمن استدامة ذلك على المدى الطويل وعقوداً عديدة كأن تنسق الحكومات مع المؤسسات التعليمية لتخريج أجيال يحملون شهادات ومهارات يحتاجها سوق العمل في العقود المقبلة.

وفي بيئة العمل الحكومية، لا يمكن تخيل تحقيق الاستدامة من دون آلية مستمرة لدعم واستقطاب وحماية الكفاءات، فضلاً عن تحقيق الفعالية في خدمة المواطنين وتحسين جودة حياتهم.

وكل ذلك لا ينبغي أن يؤثر سلباً في مواردنا البيئية والبشرية كما يفترض لتحقيق ذلك وجود سياسات صديقة للبيئة، ولوائح تضمن قيام سياج منيع حول أخلاقيات العمل، فلا يستأثر بنا مدير واحد بتعيين من يحب، وإقصاء من يكره.

ولا يمكن تخيل الاستدامة في القطاع الخاص من دون وضع آلية تضمن تحقيق النشاط التجاري لأرباح مستدامة، في ظل قواعد وممارسات أخلاقية مسؤولة.

وتحقيق الربح لا يعني بأي حال من الأحوال، الانتقاص من حقوق عاملين أو سلب راحتهم ورفاهيتهم، أو تدمير البيئة وغيرها فلا يعقل أن تستمر الشركات العملاقة في التعاقد مع موردين لا يقدمون منتجات صديقة للبيئة تضمن استدامة كل مكون من مكونات منتجاتها، مثل الأكياس القابلة للتحلل، والتغليف المستدام، والقطع التي يمكن إعادة استخدامها مرات عديدة وغيرها.

أما أمثلة الاستدامة في القطاعات فعديدة ومنها الاستثمار في الطاقة المتجددة واستخدام المواد الطبية المستدامة، وتقليل الفاقد منها، وتكثيف برامج التوعية الصحية للمحافظة على العنصر البشري، وتقليل استنزاف الطاقم الطبي أما قطاع المواصلات فيتمثل في التوجه الجذري الحالي من تحويل السيارات الجديدة إلى سيارات كهربائية في جميع بلدان الاتحاد الأوروبي من سنة 2035 وذلك حماية للبيئة.

وفي الزراعة يصعب أن نضمن ديمومة إنتاجها إن لم نواصل بوتيرة أسرع الاتجاه نحو الزراعة العضوية لتقليل الاعتماد على الأسمدة الكيماوية الضارة ودعم المزارعين ومنحهم حياة كريمة أما الصناعة فلا بد من أن تصبح من عادات الشعوب قبول إعادة التصنيع بل الإقبال عليه من جميع أطياف المجتمع.

أذكر أنني قد قرأت معلومة صادمة وهي أنه بحلول سنة 2050 سيكون عدد قطع البلاستيك في أعماق المحيطات أكثر من عدد الأسماك وهو ما يوجب تقليل المبالغة في استخدام البلاستيك فضلاً عن إيجاد وسائل بديلة عنه مثل إعادة تعبئة العلب الزجاجية كما هو الحال في فنادق جميرا وغيرها.

وربما تعد من كبرى المبادرات العالمية في الاستدامة مؤتمر الأطراف في اتفاقية الأمم المتحدة الإطارية في شأن تغيّر المناخ «COP 28» الذي يعقد في الإمارات في نهاية نوفمبر المقبل، مدعوماً برؤية صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان رئيس الدولة، حفظه الله، في «بناء مستقبل مستدام والاستخدام المسؤول للموارد الطبيعية».

ربما يتساءل بعضهم كيف يمكن الاستمرار في جهود التنمية المستدامة التي تمر أصلاً عبر تدهور البيئة؟ فكيف يمكن أن ينشر الخشب من دون تدمير شجرة أو غابة؟ وهي تساؤلات وجيهة ولكن المتأمل لفكرة الاستدامة، يجدها مرتبطة بتحقيق التوازن بين أضلاع المثلث التالي: البيئة، والاقتصاد، والمجتمع فأي جهود تقربنا من ذلك فهي بحد ذاتها نجاح يستحق الإشادة.

 

Email