لعب الدين دوراً مهماً في إرهاصات تاريخ تشكل الولايات المتحدة الأمريكية. الدين ودوره كان أساساً عند المهاجرين الأوائل للعالم الجديد. حين وصل القس الأمريكي جون وينثروب مع مجموعة من الطهوريين في 1630 إلى أمريكا ألقى خطبة شهيرة حول العالم الجديد والذي سيكون بمثابة «المدينة على التل» أو المدينة الفاضلة التي تشع للعالم بالمحبة بين أفراد المجتمع المسيحي. ويقوم المجتمع الجديد على مبدأين هما العدالة والرحمة.

وتطور المجتمع الأمريكي على أساس أمة تحت إله واحد ـ مع التأكيد على الفصل بين الدولة والدين. ولكن المجتمع الأمريكي تطور، بالمقارنة مع المجتمعات الأوروبية، في تداخل مع الدين. العلمانية الأوروبية قائمة على الفصل الحاد بين الدين والدولة والمجتمع، بينما الفصل في الولايات المتحدة هو بين الدين والدولة، ولكن المجتمع في تفاعل مستمر مع المعتقدات الدينية.

وبما أن الدولة تستمد شرعيتها وقوتها من مجتمعها فإن للدين دوراً مهماً في صياغة كثير من السياسات العامة. ولكن المد الليبرالي من الجماعات المتحررة وخاصة بعد حركات الحقوق المدنية والمعارضة لحرب فيتنام في الستينيات من القرن الماضي، أصيبت المؤسسة المحافظة بكثير من الوجل لجهة تعلمن الدولة والمجتمع وانحلال القيم المحافظة وتفكك العائلة بسبب الثورة الجنسية التي لاحقت هذه الحركات السياسية.

كانت ردة فعل القوى المتدينة كبيرة. وظلت تعبئ الجماهير تحت تنظيم عرف «بالأغلبية الأخلاقية» بقيادة مؤسسه القس جيري فولويل. وقد دعموا مرشحهم الجمهوري رونالد ريغان في العام 1980 من الوصول إلى البيت الأبيض.

هناك عوامل عدة أدت إلى فوز ريغان بالرئاسة، ولكن الدعم الذي لقيه ريغان من الأصولية المسيحية كان مهماً جداً في فوزه. وقد جازاهم بتعيينات في الحملة الانتخابية، ومن ثم في إدارته. واستمر هذا التنظيم في دعمه السياسي لإعادة انتخاب الرئيس ريغان في العام 1984، إلا أن وهج التنظيم بدأ بالخفوت مع نهاية عهد ريغان في العام 1988.

ورغم انحدار التنظيم إلا أن الأصولية المسيحية ظلت عاملاً حاسماً في المجتمع والسياسة الأمريكية. واليوم هناك ما يعرف بالقومية المسيحية والتي ترى أن الولايات المتحدة هي أمة وكيان مسيحي وأسست على أنها أمة مسيحية ويجب أن تظل كذلك الآن وفي المستقبل، كما يقول أحد الدارسين لهذه الظاهرة.

ويؤيد كثير من القوميين المسيحيين إعلان الولايات المتحدة أمة مسيحية من قبل الحكومة الفيدرالية. بل إنهم ينادون بجعل القوانين الأمريكية مبنية على القيم المسيحية. وبالنسبة لهم لن تكون أمريكياً صحيحاً إلا أن تكون مسيحياً.

ويتتبع براد اونيشي والذي انشق عن هذه الجماعات المنضوية تحت مظلة القوميين المسيحيين البيض. وإحدى هذه الجماعات جماعة تسمى الرسولية الإصلاحية الجديدة والتي تدعو إلى تغير إصلاحي للولايات المتحدة لتصبح أمة مسيحية وعظيمة مرة أخرى.

وتسعى هذه المجموعة إلى الحشد لانتخاب الرئيس دونالد ترامب في انتخابات هذه السنة 2024 ضد المرشح الديمقراطي الرئيس جو بايدن. وقد نادت هذه الحركة إلى قلب نتائج انتخابات 2020 والذي فاز فيها الأخير. بل كان هناك تواجد لهذه المجموعة في الهجوم على مبنى الكونغرس في 6 يناير 2021 للحيلولة دون اعتماد انتخاب جو بايدن رئيساً للبلاد.

ويعتبر رئيس مجلس النواب الأمريكي، مايكل جونسون، أحد أنصار هذه الحركة والذي يدعم الرئيس السابق ترامب. هل ستعيد هذه الحركة ما فعلته الأغلبية الأخلاقية في القرن المنصرم وإيصال ترامب إلى سدة البيت الأبيض. وماذا عن الديمقراطية الليبرالية في الولايات المتحدة؟ وماذا عن الأقليات الدينية والعرقية إذا تسيّد هذا التيار على الحياة السياسية الأمريكية. أسئلة لا تبشر بالخير لمستقبل أقوى دولة ليست في العالم فحسب، بل منذ فجر التاريخ.