يسقط تمثال لشخص تفتخر به مدينة بريستول الإنجليزية لأعماله الخيرية بها، اسمه سير إدوارد كولستون من قبل مناهضين للعنصرية ويُلقى في مياه المرفأ، رغم أنه أقام مدرسة منذ القرن 17 وقاعة للحفلات الموسيقية وبرجاً ويحمل شارعان اسمه، فالرجل كان شريكاً فاعلاً بالشركة الملكية الأفريقية RAC وباع خلال فترة عمله بها أكثر من 100 ألف أفريقي وهو سبب ثروته الكبيرة الرئيسي والتي وجهها في آخر أيامه للأعمال الخيرية ببلدته البيضاء!
غير بعيد عنه يُكتَب على تمثال لرئيس الوزراء البريطاني الشهير ونستون تشرشل «تشرشل كان عنصرياً»، وهو أمر أثار البريطانيين لأنهم يُقدّسون هذا الشخص رغم أن «النبش» البسيط لتاريخه يُخرِج كماً كبيراً من ماضٍ بالغ السواد، ففي شبابه ارتكب العديد من الجرائم في الهند والسودان وساعد إسبانيا للتنكيل بالشعب الكوبي، وأمر بضرب المقاومة الشعبية في العراق ضد الاحتلال البريطاني وكذلك المقاومة الهندية بالغاز السام، ورغم محاولة الغرب تلميعه بوصفه «عرّاب» ميثاق الأطلسي عام 1941 الداعي للسلام والتعاون الدولي إلا أن ميثاقه استثنى الهنود وكل الشعوب «الملوّنة» الذين لا يصح مساواتهم بالحقوق مع البيض!
بأوامره تم «نهب» كل المحاصيل والأطعمة عام 1943 من إقليم بنغلاديش وإرسالها للقوات البريطانية في اليونان وبقية الجبهات الأوروبية، الأمر الذي تسبب في خلق مجاعة أودت بحياة أكثر من أربعة ملايين بنغالي، وعندما أُخبِر بذلك قال: «هم فعلوا ذلك بأنفسهم، فهم يتكاثرون مثل الأرانب»، ولا تغيب جملته الشهيرة وهو يصف الفلسطينيين وأنْ لا حق لهم بأرضهم عندما قال إنّ وجود كلبٍ في الـمَعْلَف لا يجعله صاحب الـمَعْلَف، وإنه لا يعترف بوجود خطأ ارتُكِب بحق الهنود الحمر في أمريكا أو سكان أستراليا لأنّ ما تم هو «إحلال عرق أقوى وأعلى نوعية مكانهما»!
هؤلاء «الفَوقيّون»، يُلمّعون شخصاً آخر على الطرف الآخر من الأطلسي وهو مُحرِّر العبيد إبراهام لنكولن، الرئيس 16 للولايات المتحدة، والحقيقة غير ذلك تماماً، فحركة تحرير الرقيق بدأت قبل ولادة لنكولن نفسه، إذ منعته الدنمارك عام 1792 ثم اجتمعت كل الدول الأوروبية عام 1814 في فيينا وأقرّوا منع تجارة الرقيق، ووقِّعت بعدها بفترة يسيرة اتفاقية ميسوري بأمريكا كمرحلة أولى لإلغاء الرق، وعام 1834 تم تحرير الرقيق بكندا وولايات الشمال الأمريكي، أما لنكولن فلم يرَ القضية إلا ورقة ضغط سياسية على ولايات الجنوب المتمردة، حيث الأراضي الزراعية التي تحتاج لعبيد للفلاحة، بينما الشمال (حيث حكومة لنكولن) صناعية وليست بحاجة لرقيق كجيرانهم الجنوبيين، المهم أنّ قراره «الاستعراضي» أجّج السود ضد الجنوبيين من أجل الحريّة وقاتل أكثر من 100 ألف منهم متضامنين مع ولايات الشمال وفر قرابة نصف مليون فلاح وعامل لولايات الاتحاد الشمالية، الأمر الذي لعب دوراً حاسماً في انتصارها، أما لنكولن فقال في خطاب أمام الكونغرس: «سأقول، إنني لم ولن أكون في جانب إحداث مساواة اجتماعية وسياسية بأي شكل بين العرقين الأبيض والأسود»!
فوقيتهم يُشرّعها فلاسفتهم وكبار كُتّابهم، فالفيلسوف الإنجليزي توماس مور يقول في كتابه (يوتوبيا) والذي تحدث فيه عن رحيل أوروبيين لمكانٍ خالٍ في القارة الأمريكية: «وإنْ أراد السكان الأصليون أن يسكنوا معهم سمحوا لهم، إنْ رفضوا طاعة قوانين اليوتوبيين فإنهم يطردونهم، وإنْ قاوموا شنّوا عليهم الحرب»، بينما يقول مواطنه المؤرخ تشارلز كينغسلي: «انتشار الأنغلوسكسون في الأرض توسيعٌ لمملكة الله، وإذا اقتضى الأمر فليكن على جُثث الأعراق الضعيفة»، ونادى الاقتصادي الشهير جون لوك باستئصال حقوق السكان الأصليين عند تطبيقه أفكاره الاقتصادية في العوالم الجديدة!
من الجدير بالذكر أن نشير إلى سبب تعصّب المؤسسات الغربية الأكاديمية والعلمية لنظرية داروين حول النشوء والارتقاء ومحاربة كل من يحاول تفنيد أساسها الخيالي الهش، فهم يرونها بطريقة مغايرة لما نفهمها نحن، هم يرون أنّ التحول من القرود أو شبه القرد إلى الإنسان البدائي للإنسان المنتصب ثم العاقل Homo Sapiens لم يكن بذات الدرجة من الاكتمال بل كان نسبياً، ولم يقارب الكمال بدنياً وذهنياً إلا عند الجنس الأبيض، ويؤيد هذا قول داروين نفسه: «سيأتي زمنٌ على الأعراق المتحضّرة تُبيد فيه الأعراق َالهمجية وتَرِثُ الأرضَ منها حتماً»!
هذه الفوقية لا يمكن أن تفارق النفسية الغربية، ورغم الطروحات الإنسانية الكبيرة التي تلامس العقول إلا أن التاريخ أثبت أنّ ذاك الطرح وأمثاله محصور في محيطهم «الأبيض» فقط، الأمر الذي دعا المؤرخ كرين برينتون لوصف ما يحدث بأنه خيانة للتنوير ومبادئه، فالتاريخ لا يكذب إن أزحنا عنه غبار التزوير والتلفيق، وعندما نراه بجلاء سنكتشف أن تنوير الغرب أجرم فيمن هم خارج قارتهم الأوروبية الصغيرة، فأبادوا سكان ثلاث قارات: أمريكا الشمالية وأمريكا الجنوبية وأستراليا، واستعبدوا الرابعة وهي أفريقيا واستعمروا الخامسة وهي آسيا!