الحدث العماني!

ت + ت - الحجم الطبيعي

اهتزت مجتمعات الخليج قبل أيام لسماع أحداث (المجزرة) في سلطنة عمان، التي قامت بها مجموعة صغيرة من المجرمين ضد أناس عزل يقومون بممارسة طقوسهم. استخدمت مصطلح مجرمين حتى لا استخدم كلمة متطرفين، أو متشددين، فتلك المصطلحات لم تعد تفي بتوصيف الحدث.

هناك العديد من الأسباب التي يمكن أن تفسر تلك الظاهرة الإجرامية، وقد سمعنا وقرأنا الكثير من التفسيرات، بعضها خيالي وبعضها افتراضي، من دون أن يعلق بعضنا الجرس.

الجرس في رأي كاتب هذه السطور في مكانين، أولاً المدرسة، وخصوصاً المناهج والمدرسين، وثانياً في الإعلام، حيث هناك (تابو) حول تعليمنا وإعلامنا أن لا تمس أو تنقد مظاهر التضليل الديني. والنظام التعليمي متردد في أن يتخذ ما يجب، وهو مراجعة شاملة للبرامج الدينية، وتدريب المدرسين.

لقد قضينا ردحاً من الزمن نقول لطلابنا الصغار، ومناعتهم الفكرية هشة، إن هناك (مرحلة ذهبية) في الغابر من الأيام، علينا أن نعود لها، وتصور تلك المرحلة بالخير والنماء والسلام، وعلينا أن نقوم بما يجب أن نقوم به للعودة إلى ذلك العصر الذهبي!

في الحقيقة لا يوجد عصر ذهبي، كانت هناك صراعات ركبت عليها المصالح والكثير من الخرافات وتبناها البعض نقلاً عن كتب كتبت تفسيراً للدين تحمل الهوى والتحيز ضد الآخر المختلف.

لم نراجع بجدية تلك المراجع القديمة وننقدها نقداً موضوعياً، وهي في الغالب كانت تعبر عن مشكلات عصرها. لقد أسقط كثيرون منا (البعد الزمني) في المقارنة والتفكير، إلى درجة توزيع وتثبيت الخرافات، فإنك إن وجدت محطة تلفزيونية محترمة تستضيف شخصاً يقول ما معناه (إن الله خلقنا كمسلمين نحمل رسالة، وخلق الآخرين جميعهم للكد والتعب والبحث العلمي من أجل أن يخدمونا)! تعرف أية مصيبة قد دخلت إلى العقل العربي.

وهناك أمثلة نبثها في كتبنا المدرسية، وفي برامجنا التلفزيونية، وأصبنا أيضاً بلعنة انتشار وسائل التواصل الاجتماعي التي تؤكد لشبابنا كل ساعة تلك الخرافات.

لقد طغى الفهم السطحي على فهمنا لديننا الإسلامي، على ما جاء به نبي الله محمد من قيم، وأصبحنا أسرى لفقهاء معرفتهم العلمية والدينية سطحية، وسُلّم هؤلاء، في غفلة أو حتى قصور من قيادات التعليم، مهام التعليم فقادت إلى كم هائل من التزييف، يمكن أن تكتب فيها المصنفات الضخمة، كثيراً منها تمهد للتجنيد السياسي، وتعلم أبناءنا ليس المبادئ الحميدة ولكن كيف تأكل وكيف تشرب، واقفاً أو جالساً، وأين يسكن الشياطين في البيت فقط في الحمام وعند موقد النار (لأن الشياطين تحب النار)، من دون تفكير للحظة أن الأولين لم تكن لديهم (حمامات) كما هي اليوم، وأي قارئ للتاريخ يعرف ذلك!

الشيطنة والإجرام لا تبدأ بإطلاق الرصاص، بل تبدأ بالاستحواذ على العقول، وشحنها بكم هائل من شيطنة الآخر ومخاصمته، وجلب قصص وأحداث تاريخية، لها ظروفها الخاصة، جلبها إلى عالم اليوم المتغير بسرعة غير مسبوقة والمتداخل في المصالح، وذلك خلل منهجي فادح.

لقد أصبح لدينا كم كبير من (أدوات الفتنة) و(حراس النوايا) ينفثون في عقول شبابنا التعصب والكراهية وازدراء الآخر، تحت مخدر التفوق الأخلاقي المزيف، ويصل في بعضهم إلى إطلاق الرصاص في نهاية الأمر.

المنفذون هم ضحايا ذلك الفكر، والمجرمون الحقيقيون هم كتّاب الخزعبلات في المناهج التعليمية، ومؤسسات إعلامية، والذين يؤكدون كل يوم تلك الخرافات.

ومن خبرة شخصية في عالم التعليم والإعلام شهدت على أمثلة حية من تلك التفسيرات غير العقلانية في أمور الحياة من الاجتماعية وحتى السياسية، بل للعجب حتى في الأمور الاقتصادية! إننا في (الوادي الكبير) الثقافي، وليس منطقة الإجرام الذي تمت في عُمان.

مع تقديم العزاء للشعب العماني، الذي عرف بتسامحه وتكاتفه، علينا أن لا نقتل البعوض بل تجفيف المستنقعات، كي يموت البعوض وتنتفي الملاريا.

Email