جاء حين من الزمن خاض فيه جميع الناس وفي كافة أوطانهم صراعات دموية بسبب مشكلات زائفة. ما هي المشكلة فلسفياً، ما هو تعريف المشكلة
، وأنا لا أقصد الحديث عن المشكلة الفلسفية، بل عن مفهوم المشكلة بحد ذاتها. المشكلة، أية مشكلة هي بنت السؤال أولاً.
فالسؤال رحم المشكلة، ولا يغدو السؤال رحماً للمشكلة إلا إذا انطوت الإجابة عنه على عدة صور من الإجابة. والسؤال الذي لا ينطوي إلا على جواب واحد لا يخلق مشكلة.
وجميع البشر يواجهون مشكلات في حياتهم اليومية عندما يواجهون احتمالات أجوبة عن سؤال معيش، مرتبط بشروط حياتهم ومستقبلهم.
وتبقى هذه المشكلات خاصة في حياة الفرد والعالم الضيق المحيط به. وهذا ما لا يحتاج منا إلى نظر. لكننا نعيش في بنى اجتماعية واقتصادية وأخلاقية ومعرفية ذات أشكال متعددة من الوعي وهذه البنى تخلق لدى البشر أسئلة متعددة.
فالفقر ينجب الأسئلة حول أسبابه وحول تجاوزه، وأسئلة التقنية والثورة الإلكترو-نترونية لا حدود لها، الخ. وهذه الأسئلة تولد أجوبة متعددة. عندها نكون أمام المشكلات.
وإن الحديث عن المشكلة الزائفة لا يستقيم إلا بالحديث عن المشكلة الحقيقية. فكثير من دول العالم تعيش حالات الفقر المتنوعة .
فالسؤال عن أسباب الفقر سؤال واقعي صحيح والأجوبة المتنوعة الصحيحة عن الأسباب على اختلافها، والتصورات الواقعية المتنوعة بتجاوز الفقر بوصفه مشكلة حقيقية تقود إلى الوعي الصحيح بالمشكلة.
ها نحن أمام مشكلة حقيقية. ما هي المشكلة الزائفة إذاً؟، المشكلة الزائفة هي الناتجة عن سؤال زائف، والذي ينتج أجوبة زائفة.
أعرف السؤال الزائف بأن ذلك السؤال الذي لا ينطوي على جواب عقلي منطقي واقعي. وهو الذي يخلق المشكلة الزائفة. تأمل معي الفرق بين السؤالين الآتيين حول الإيمان بالأشباح. السؤال الأول: ما الذي يدفع الناس للإيمان بالأشباح؟،
السؤال الثاني كيف نطرد الأشباح المزعجة من البيت المسكون بالأشباح؟، السؤال الأول حقيقي مرتبط بمشكلة الوعي والإجابة العقلية المنطقية الواقعية عن هذا السؤال، حتى لو كانت الإجابات خاطئة. قد يكون الجواب بأن الإيمان بالأشباح ثمرة وعي أسطوري متوارث.
وقد يرى الطبيب النفسي بأنه حالة نفسية مرضية قابلة للشفاء، فيما قد يرى الطبيب الجسدي بأنه ثمرة خلل في الدماغ وهكذا. فالسؤال هنا ولد مشكلة علمية ذات أبعاد اجتماعية ونفسية وبيولوجية. هنا التعامل مع الأشباح بوصفها ظاهرة وهمية.
أما السؤال الثاني فيتعامل مع الأشباح بوصفها كائنات واقعية، وهو لهذا السبب سؤال زائف، وهذا بدوره يولد أجوبة زائفة تقوم على السحر والتمائم (الحجب)، وطقوس من الحركات والكلمات غير المفهومة إلخ.
السؤال الزائف خلق مشكلة زائفة. تأمل معي أيها القارئ العزيز المشكلات الزائفة هي الأصل والفصل. وهي من قبيل المشكلات الأيديولوجية الزائفة. يسأل أحدهم في دولة عربية ذو تعليم عالٍ: هل نحن عرب؟
فيجيب: لا نحن لسنا عرباً فنحن قبل ثلاثة آلاف سنة لم نكن عرباً ومازلنا حتى هذه اللحظة لسنا عرباً، حتى لو تحدثنا باللغة العربية. والاحتلال العربي لبلادنا الذي تم قبل ألف وخمسمئة سنة لم يحولنا إلى عرب. فيرد عليه آخر من وطنه بل نحن عرب وننتمي إلى محيط العرب منذ ما قبل الميلاد. هذه مشكلة زائفة لأن السؤال زائف والأجوبة عنه زائفة؟
وعي بالهوية تشكل قبل قرون يأتي مثقف أيديولوجي ويجعل منه مشكلة، ولأن الأجوبة عن السؤال الأيديولوجي لا قيمة معرفية وعملية فإن كل القيل عن الأصل والفصل قيل عن مشكلة زائفة. والحق أن الانشغال بالمشكلات الزائفة هروب من الواقع ونكوص مرضي، واصطناع صراعات مضرة بحياتنا وعيشنا المشترك.
والحق أن الصراعات الأيديولوجية حول قضايا أسطورية أحد أكبر المعالم على غياب الواقعية العقلانية، وأكبر اعتداء على الموضوعية، فهذا الهروب إلى صراعات الأمس واعتبارها صراعات مستمرة ليس سوى جزء من تخلف الوعي الذي لا ينجب إلا المشكلات الزائفة التي لا حل لها لأنها ثمرة أسئلة زائفة لا تحمل في طياتها الأجوبة الحقيقية.
* كاتب وأكاديمي فلسطيني