أعلن صاحب السمو الشيخ محمد بن زايد آل نهيان، رئيس الدولة، حفظه الله، عام 2025 عام المجتمع. برغم أن المجتمع المفهوم الأهم في العلوم الاجتماعية إلا أن تعريفه ليس بالأمر البسيط كما نعتقد.
التعريف السائد هو أن المجتمع مجموعة من الأفراد تربطهم علاقات معينة في رقعة جغرافية محددة. ولكن الترابط الاجتماعي قد يتجاوز الحدود، فهناك مجموعات إثنية أو دينية تترابط ولكن لا تنتمي إلى مجتمع واحد من منطلق التعريف العام لمفهوم المجتمع.
وقد ينتمي الأفراد إلى مجتمع ولكن ليس هناك ترابط برغم انتمائهم لنفس المجتمع. هل يعرف أفراد المجتمع بعضهم البعض؟ هل يتواصل أفراد المجتمع مع بعضهم البعض؟ بل أن التواصل مع تطور وسائل التواصل الاجتماعي يتم مع جماعات بعيدة أكثر من التواصل داخل المجتمع أو البيت الواحد.
هناك جانبان يجب ألا نغفل عنهما يتعلقان بأي مجتمع؛ الجانب الموضوعي للمجتمع، والجانب الذاتي للمجتمع.
الجانب الموضوعي يسهل تحديده، مثل الرقعة الجغرافية التي ينتمي إليها أفراد المجتمع، كما أننا نستطيع إحصاء المجتمع بأفراده ونحتويهم في حواسيب بكل التفاصيل لكل الأفراد، ولكن هل يكفي هذا لأن يتشكل مجتمع؟
المجتمع الموضوعي يتشكل بهذه العوامل المادية والمعنوية. ولكن المجتمع لا يتشكل إلا بالتشكل الذاتي بخلق وعي جمعي لأفراد المجتمع. الوعي الجمعي أو التشكل الذاتي للمجتمع يقوم على عوامل مهمة تتطور ذاتياً وبإرادة مجتمعية وسياسية.
أول هذه العوامل تشكل الإطار السياسي، والذي يقوم على مؤسسات قائمة بذاتها مستقلة من الأفراد وتعتمد في ديمومتها ممارسات أرسيت في التاريخ، ولا تتأثر بتغير الأفراد المنتمين لها. فالمؤسسات الاتحادية القائمة في دولة الإمارات مؤسسات ترسخت في تاريخ الدولة عبر ممارسات قاربت الستة عقود.
ويعد الإطار السياسي بمثابة الإطار الذي يجمع مجتمع معين على أساس خلق الوعي الجمعي للأفراد في رقعة جغرافية معينة. إن مخيال الأفراد بترابط أفراد مجتمعهم يشكل عنصراً مهماً في تشكل الإطار السياسي وحتى الأمم.
فكما يقول بندكت أندرسون في كتاب «الجماعات المتخيلة: تأملات في أصل القومية وانتشارها»: «إن نشوء الأمم مرتبط ببروز خطاب يصاغ من خلاله مخيال الأفراد على انتمائهم إلى مجموعة أكبر تسمى الأمة».
هناك عامل مهم في خلق مفهوم المجتمع بشكل متطور وحي؛ وجود قيادة تتمتع بشرعية في منظور مجتمعها أولاً، وخارج مجتمعها ثانياً. الشرعية السياسية مستمدة في دولة الإمارات من تاريخ طويل من الممارسات السياسية .
والتي أسست لسلطة تستقي من قيمها وتقاليدها وأعرافها الموروثة عبر قرون، كما تستمد هذه الشرعية من الأداء الذي تقوم به القيادة في تقدم ورفاهية الأفراد في المجتمع.
ومما لا شك فيه أن المراتب العليا التي وصلت لها دولة الإمارات في التنمية البشرية فاقت كثيراً من الدول المتقدمة، وأصبح أفراد المجتمع الإماراتي يتمتعون بكافة الخدمات التعليمية والصحية وأعلى الدخول الفردية في العالم، وأصبح مجتمع الإمارات من أسعد شعوب العالم.
أخيراً، وليس آخراً، الهوية الجامعة للمجتمع. الهوية الوطنية ركيزة مهمة للأطر السياسية والسلطة السياسية والمؤسسات الوطنية. انقسام الولاءات إلى ولاءات ما تحت الدولة (إثنية أو طائفية) أو ما فوق الدولة (دينية أو قومية) مضر بالمجتمع وتشكله وتطوره.
هذه ثلاثة عوامل مهمة تشد من تماسك المجتمع. وعلى الباحثين القيام بمزيد من الدراسات المستفيضة لفهم واقع وتطور المجتمع الإماراتي.