توجد في الكويت أكثر من عائلة تحمل لقب «الحمد»، لكن ما يهمنا هنا هو أسرة «مجرن الحمد المجرن» سكنة منطقة جبلة الذين نزحوا إلى الكويت في القرن الـ 18 من روضة سدير في نجد، ولهم ديوان باسمهم (ديوان مجرن الحمد) في العديلية، حيث إن المترجم له وهو «عيسى أحمد حمد مجرن حمد مجرن الحمد» يعد واحداً من أبنائها الذين تركوا بصمات واضحة في تاريخ الكويت الرياضي والتربوي والدبلوماسي. هذا ناهيك عن أن أشقاءه لعبوا أيضاً أدواراً مهمة في تاريخ الكويت المعاصر.
فشقيقه محمد أحمد الحمد هو أحد مؤسسي نادي القادسية الرياضي في عام 1960 ومن أوائل الضباط بوزارة الداخلية وكان مديراً للمباحث في السبعينيات، وشقيقه الآخر خالد أحمد الحمد ساهم في تأسيس النادي الأهلي في الأربعينيات ونادي الكويت الرياضي في الستينيات وتولى رئاسة نادي القادسية في الستينيات والسبعينيات والثمانينيات، وشقيقه الثالث مجرن أحمد الحمد هو أحد مؤسسي النادي الأهلي الكويتي في عام 1947، وأسس مجلة «أضواء الكويت» في ستينات القرن الماضي وترأس تحريرها، وعمل سفيراً للكويت لدى إيران وسوريا والسعودية وتونس وفرنسا، وشقيقه الرابع حمد أحمد الحمد تولى منصب الأمين العام المساعد لمجلس الوزراء في الكويت زمن الشيخ سعد العبدالله السالم الصباح، كما تولى قبله منصب رئيس الهيئة العامة للشباب والرياضة، وشقيقه الخامس عبدالله أحمد الحمد كان طياراً في سلاح الجو الأميري واجتاز دورة القيادة والأركان في الولايات المتحدة وتولى منصب مدير مكتب رئيس أركان الجيش وتقاعد برتبة لواء.
ولد عيسى أحمد الحمد المجرن في الأول من مايو عام 1930 في فريج الزبن بحي الوسط من العاصمة ابناً لوالده أحمد حمد مجرن حمد المجرن الحمد ووالدته فاطمة الحمد (حصلت في عام 1975 على لقب الأم المثالية لتربيتها لرجال تقلدوا أكبر المناصب وقدموا الكثير للكويت بأمانة وإخلاص وصمت).
التحق الحمد بالمدرسة المباركية، حيث درس بها من عام 1936 إلى عام 1944. وتزامنت دراسته فيها مع وصول أول بعثة تعليمية عربية من فلسطين (كانت مكونة من أربعة معلمين برئاسة الأستاذ أحمد شهاب الدين)، والتي قامت بتغيير المناهج الدراسية نحو الأفضل لجهة تنويع المواد ومحتواها.
في عام 1944 تقريباً اختارت دائرة المعارف الكويتية، التي كان يقودها آنذاك الشيخ عبدالله الجابر الصباح، بعضاً من طلبة المدرسة المباركية ــ كان من ضمنهم عيسى الحمد ــ وأدخلتهم دورة تربوية بقصد إعدادهم كمعلمين. وهكذا تحول الحمد من طالب إلى معلم صف يعلم طلبته مختلف المواد.
كان الحمد وقتها شاباً يتميز بالأخلاق الحميدة والروح الرياضية العالية وحب العمل التطوعي، فانضم إلى فرقة الكشافة بمدرسته في الدفعة الكشفية الثانية في تاريخ الكويت (الدفعة الأولى كانت في العام الدراسي 1937 - 1938 وكل أعضائها من شيوخ الأسرة الحاكمة باستثناء واحد هو عبد المطلب سيد رجب الرفاعي)، لكنه كان أيضاً شغوفاً بمختلف الألعاب الرياضية، فقد لعب كرة القدم وكرة الطائرة والجمباز وألعاب القوى، بل مثل مدرسته في بطولاتها أيضاً، الأمر الذي استحق معه لقب الرياضي الشامل.
إلى ذلك، برع في كرة السلة التي انضم إلى فريقها التابع لجمعية المعلمين الكويتية. ولم يكن ذلك غريباً، إذ إنه نشأ في بيت كويتي، يعشق أفراده الرياضة ويمارسونها، وكبر وسط أشقاء حملوا لواء قيادة الحركة الرياضية وساهموا في نشر مفاهيمها وقواعدها.
أمضى الحمد الفترة من 1947 إلى 1950 في مصر، طالباً مبتعثاً بمعهد حلوان للتربية الرياضية. حيث اختار هو هذا التخصص بينما اختار الثلاثة الذين رافقوه (جاسم القطامي وعبد المطلب الرفاعي وعبد العزيز الغربللي) دراسة التربية والآداب والطب.
وإبان بعثته كان تلميذاً نشطاً يشارك بشكل فعال ومنتظم في الحركة الكشفية وفي مختلف الألعاب والأنشطة الرياضية، كما كان من الأعضاء النشطاء في «بيت الكويت»، ويكتب في مجلته (البعثة) مقالات تعكس وجهات نظره إزاء بعض القضايا الرياضية والاجتماعية، ويمثل في مسرحياته الترفيهية وينظم رحلاته الطلابية الصيفية ومعسكراته الكشفية، بل تولى لفترة قصيرة سنة 1950 القيام بأعمال المشرف على هذه الرابطة الطلابية بسبب انتقال مشرفها الأستاذ عبد العزيز حسين إلى الكويت لاستلام منصبه الجديد مديراً لدائرة المعارف.
وحينما عاد إلى الكويت سنة 1950 حاملاً دبلوم المعلمين/ تخصص تربية رياضية، ومصنفاً كأول كويتي يحمل مؤهلاً في مثل هذا التخصص، تم تعيينه مفتشاً بدائرة المعارف مسؤولاً بشكل أساسي عن الرياضة بكل أنواعها وعن الكشافة بكل مستوياتها، قبل أن يترقى ويصبح وكيلاً مساعداً للشؤون الرياضية بدائرة المعارف.
فشمر عن سواعده مع الأستاذ عبد العزيز حسين لتنظيم ودعم وتطوير الحركة الكشفية في مختلف المدارس عبر تكوين فرقة للكشافة في كل مدرسة متوسطة وثانوية، وفرقة للأشبال في كل مدرسة ابتدائية للبنين، وفرقة للمرشدات في مدارس البنات الأكبر سناً، وفرقة للزهرات في مدارس البنات الصغيرات.
لم يكتف الحمد بذلك، وإنما قادته طموحاته إلى إنشاء فريق للكشافة البحرية، وطلب من دائرة المعارف تزويدها بقوارب شراعية هولندية الصنع. وعلى غرار ذلك، قام بتأسيس فرقة للكشافة الجوية، وهي الفرقة التي صار اثنان من أفرادها فيما بعد من أوائل الطيارين الكويتيين. وبحكم وظيفته وشغفه بالكشافة ومهامها التطوعية كان لا يترك فرصة دون حضور المخيمات الكشفية.
أما مساهماته لجهة تطوير الرياضة المدرسية فقد شملت إنشاء حمامات السباحة للطلبة في مدارس مثل صلاح الدين والشامية وثانوية الشويخ وإجراء مسابقات السباحة فيها، وإنشاء الصالات الرياضية المغلقة في كل مدرسة لممارسة مختلف ألعاب القوى، ولا سيما الجمباز.
لقد كان الحمد شعلة من النشاط في هذه الفترة من حياته التي شهدت ظهور أندية خاصة برياضة كرة القدم بشكل أساسي، وقيامها بلعب مباريات على ملاعب المعارف. وكان معظم لاعبي القدم وقتذاك من الوافدين العرب.
وفي هذا السياق ذكر الدكتور يعقوب يوسف الإبراهيم في تأريخه لرياضة كرة القدم، أنها دخلت الكويت، قبل غيرها من دول الخليج المجاورة تحت اسم «الطمباخية» وعلى أيدي أفراد وطواقم البارجات الحربية البريطانية التي تواجدت في مياه الكويت، وقد استند الإبراهيم في هذا على ما ذكره البريطاني هنري جورج ويكهام في كتابه «المشكلة الفارسية»، والذي زار الكويت سنة 1902، ليقول إن الضباط الشباب من طاقم البارجة «فوكس» عرّفوا سكان الكويت لأول مرة على كرة القدم.
ويضيف الإبراهيم، استناداً إلى تقارير المعتمد البريطاني في الكويت الكابتن دي جوري من منتصف ثلاثينيات القرن العشرين إلى نهايتها، أن أول مباراة محلية لكرة القدم بين طلبة المدارس الكويتية كانت في السابع من ديسمبر 1936، بعد أن تم تدريبهم من قبل معلمين فلسطينيين، وذلك تأثراً بما شاهدوه في نوفمبر من العام نفسه من مباراة لعبها فريق كرة القدم للبارجة البريطانية «شورمان». ثم أخبرنا أن أول ناد لكرة القدم في الكويت تأسس بجهود أربعة معلمين فلسطينيين، وأن أولى مبارياته أقيمت في 31 ديسمبر 1936 أمام فريق القوة السيارة التابع للقوة الجوية البريطانية في الشعيبة بالعراق.
لكن المؤرخ الكويتي عبدالله محمد الحاتم، ناقض الكلام السابق في الصفحة 122 من كتابه «من هنا بدأت الكويت». إذ ذكر أن أول مباراة في كرة القدم بين الشباب الكويتي أقيمت سنة 1933 خارج «درواة نايف»، مضيفاً إنها لم تكن بين ناد وآخر، وإنما بين شباب انقسموا إلى مجموعتين عن طريق القرعة (بقيادة فهد سالم السديراوي الذي عرف اللعبة أثناء إقامته في الهند البريطانية)، وتميزت كل مجموعة بعلامة فارقة، مشيراً إلى واقعة وفاة أول لاعب قدم في الكويت وهو الشاب بدر يوسف البدر بمنطقة «بحرة» سنة 1937 لأنه شرب ماءً مثلجاً بمجرد إطلاق صافرة النهاية، ومشيراً أيضاً إلى أن اللعبة راحت تنتشر تدريجياً فتأسست النوادي الرياضية، وظهر النادي الأهلي أولاً ثم أندية العروبة والجزيرة والخليج والتعاون والنهضة والقبـْلي، وراحت الحكومة تدعمها بالأموال سنوياً.
غير أن هناك مصدراً يناقض كلتا الروايتين السابقتين. حيث قرأت في صحيفة «القبس» ومجلة «الكويتي» الصادرة عن شركة نفط الكويت أن أول من أدخل اللعبة إلى الكويت في عام 1917 هو سعود يوسف المطوع زمن حكم الشيخ سالم المبارك، وملخص الحكاية أنه كان يذهب مع والده وهو صبي إلى الهند، وهناك شاهد أطفال الهنود والإنجليز يلعبونها فاستهوته وتعلم أحكامها واشترى بمصروفه عدداً من الكرات وجلبها إلى الكويت، ثم أطلع أصدقاءه على طريقة وشروط اللعبة واشترى أقمشة من لونين مختلفين لتصنع منها أخته قمصاناً وسراويل رياضية من أجل إقامة مباريات بين فريقين من الشباب.
وبالعودة إلى سيرة عيسى الحمد، نجده يدعو في عام 1952 مجموعة من المهتمين بالرياضة، لبحث فكرة إنشاء اتحاد كويتي رياضي. لاقت الفكرة استحسان الجميع وتم تأسيس «الاتحاد الرياضي الكويتي» على أن ينحصر عمله آنذاك في رعاية كرة القدم ورفع مستواها، الأمر الذي حمّس الشباب لحضور المباريات، وساهم في ظهور الأندية المختلفة. لكنها أغلقت لمدة 4 سنوات، قبل أن يعاد فتحها تحت تسميات مختلفة ويُقدم لها دعم حكومي سنوي.
والمعروف أن الاتحاد الرياضي أطلق عليه في عام 1957 اسم الاتحاد الكويتي لكرة القدم وأعيد إشهاره، وترأسه أولاً جاسم عبد العزيز القطامي (من 1957 إلى 1961)، ثم ترأسه الحمد من 1961 إلى 1967، ليخلفه أحمد عبد العزيز السعدون رئيس مجلس الأمة السابق.
وخلال عمله بدائرة المعارف الذي امتد إلى 15 سنة، أتيحت لصاحبنا فرصة الابتعاث إلى كلية لافيرا في إنجلترا، حيث أمضى بها الفترة من 1953 ــ 1954. وحينما عاد أسس «جمعية الكشافة الكويتية» في 1954، وترأسها ومثّلها في العديد من المهرجات الكشفية العالمية، وكان أولها الملتقى الكشفي العالمي الثامن في مدينة «نياغرا أون ذا ليك» بمقاطعة أونتاريو الكندية في أغسطس 1955. وفي عام 1957 شارك مع غيره في وضع اللبنات الأساسية للجنة الأولمبية الكويتية، وترأس مجلسها من عام 1962 إلى 1969.
وفي عام 1965 ودع العمل بدائرة المعارف وانتقل منها للعمل لفترة قصيرة ببلدية الكويت. لكن الكويت وقتذاك، وكانت قد استقلت وأسست وزاراتها وزادت أعباءها الداخلية والخارجية، راحت تختار شرائح من رجالاتها المثقفين الإكفاء ليكونوا طليعة منسوبي خارجيتها الوليدة.
وهكذا اختير الحمد ليتولى منصب «مدير إدارة المراسم بوزارة الخارجية» في 1967، ومنه صعد إلى وظيفة «مدير الإدارة السياسية بوزارة الخارجية» بدرجة سفير في 1975، ليتلو ذلك مشوار تغربه في الخارج كسفير مقيم ومفوض.
بدأت رحلته الدبلوماسية في عام 1975 كسفير مقيم لبلاده لدى فرنسا في عهد رئيسها فاليري جيسكار ديستان، وكسفير محال للكويت لدى بلجيكا والفاتيكان. وإبان عمله في باريس من 1975 إلى 1987 قام بجهود كبيرة لجهة تمتين العلاقات الكويتية الفرنسية والتي تكللت بأول زيارة رسمية لرئيس فرنسي إلى الكويت سنة 1979، لكن عمله الأبرز آنذاك كان دعوته لإنشاء «معهد العالم العربي» بباريس والذي ساهمت الكويت فيه بنصيب وافر.
في عام 1987 تم نقله من باريس إلى بلغراد، فعمل مذاك وحتى عام 1991 سفيراً مقيماً للكويت لدى جمهورية يوغسلافيا الاتحادية، وسفيراً محالاً لدى تشيكوسلوفاكيا، ليتم نقله في العام 1994 إلى ديوان وزارة الخارجية.
انتقل المربي الفاضل والحكم الرياضي والرائد الكشفي والدبلوماسي الأنيق والرجل المثقف صاحب الأفكار والرؤى الاجتماعية المتحررة عيسى أحمد الحمد المجرن إلى جوار ربه يوم الأول من مايو 1997 عن عمر ناهز 64 عاماً بالتمام والكمال (حيث إنه توفي في نفس يوم وشهر ميلاده). وتكريماً لعطاءاته وخدماته لوطنه أطلقت وزارة التربية والتعليم الكويتية اسمه على ثانوية للبنين بمنطقة الشامية.