يُعتبر التراث الإماراتي جزءاً لا يتجزأ من الهوية الوطنية، حيث يتجسد في القيم والممارسات التي تشكل المجتمع. لكن لفهم عمق هذا التراث، من الضروري أن نتناول مفهومه من منظور فلسفي يُبرز ديناميكيته وتأثيره المستمر على الهوية الثقافية والاجتماعية للأمة.

فالتراث ليس مجرد مخزون من العادات والتقاليد، بل هو عملية مستمرة تتفاعل مع الزمن والمجتمع، وتعيد صياغة الهوية بما يتلاءم مع التغيرات والظروف.

وتشير الفلسفات الحديثة، مثل نظرية البنائية الاجتماعية، إلى أن التراث هو نتاج التفاعل بين الفرد والمجتمع، وليس مجرد مجموعة من الموروثات التي تنتقل من جيل إلى جيل. وفقاً لهذه النظرية، يُنظر إلى التراث على أنه بنية متطورة، حيث يتم تشكيله وإعادة تشكيله من خلال عمليات اجتماعية معقدة تشمل الحوار المجتمعي، والتعليم، والممارسات اليومية. هذا الفهم الديناميكي للتراث يُمكّننا من رؤية التراث الإماراتي كمورد حيوي يساهم في تعزيز الهوية الوطنية، وليس فقط كإرث ثابت من الماضي.

ويشكل التراث الجسر الذي يربط الماضي بالحاضر، حيث يُسهم في بناء الهوية الوطنية من خلال ترسيخ القيم والمبادئ المشتركة التي تجمع أفراد المجتمع. ويُعد التراث في الإمارات بوتقة تنصهر فيها عناصر التاريخ، الثقافة، والقيم المجتمعية، لتُخرج هوية وطنية متجددة ومتكاملة. هذا الارتباط بين التراث والهوية ليس ساكناً، بل هو في حالة من التفاعل المستمر الذي يُعيد صياغة الهوية بما يتوافق مع التحديات والتغيرات المستجدة.

لا يمكن الحديث عن التراث دون التطرق إلى البعد الأخلاقي المرتبط بحفظه وترويجه. من منظور الفيلسوف «موريس هالبواخ»، الذي تحدث عن مفهوم «الذاكرة الجماعية»، يمكن اعتبار التراث شكلاً من أشكال هذه الذاكرة، التي تحمل مسؤولية أخلاقية تجاه المجتمع.

حفظ التراث ونقله إلى الأجيال القادمة هو عمل يتجاوز مجرد الحفاظ على الأشياء المادية؛ إنه يتعلق بالحفاظ على القيم والمعاني التي تمنح المجتمع هويته واستمراريته.

وتُعزز النظرية الهيرمنيوطيقية، التي تُعنى بتفسير النصوص والرموز، من فهمنا للتراث كعملية تفسير وتأويل مستمرة للأعمال الفنية، الأدب، والتقاليد. هذه النظرية تتيح للأفراد إمكانية المشاركة في عملية إعادة تفسير التراث وفقاً لمعطيات العصر الحديث، مما يعزز من شعورهم بالانتماء والهوية. في الإمارات، تُعد هذه الديناميكية واضحة في الطرق التي يتم من خلالها إعادة تقديم الشعر النبطي، على سبيل المثال، في سياقات معاصرة تُظهر مدى قدرة التراث على التكيف مع الحاضر.

يجب علينا أن ننظر إلى تراثنا باعتباره أداة حيوية لتطوير المجتمع الإماراتي، وليس فقط كمصدر إلهام فردي. حيث تجمع نظريات الفكر الفلسفي المعاصر على أن التراث يمكن أن يُستخدم كإطار لبناء مجتمع متماسك ومبتكر، قادر على مواجهة التحديات المعاصرة. من خلال هذا الفهم، يمكن للإمارات أن تستمر في تعزيز هويتها الوطنية عبر ديناميكية ثقافية تعزز من قدرتها على التعبير عن نفسها بطرق معاصرة.

تأسيساً على هذا الفهم الفلسفي للتراث، يمكن القول إن التراث الإماراتي ليس مجرد بقايا ماضٍ يجب حفظها، بل هو عملية ديناميكية مستمرة تشكل جوهر الهوية الوطنية. هذه النظرة المتجددة للتراث تعكس عمق الفهم الذي يربط الماضي بالحاضر، ويؤكد أهمية التراث كأداة لإعادة بناء المجتمع وتعزيز وحدته، مما يُمكّن الإمارات من مواجهة التحديات المستقبلية بثقة وثبات.