لماذا يوجد في أيرلندا هذا العدد الكبير من الكتاب المشهورين المقروئين؟ فما إن نبحث عن كاتب إنجليزي أو أوروبي، نجده أيرلندياً، والمتتبع لسيرة الجزيرة الأيرلندية، وخاصة عاصمتها دبلن، يلاحظ مدى هيمنتها الأدبية، بإبداعاتها القصصية والشعرية والنثرية، وبالطبع الروايات التي تحظى بتقدير كبير من المجتمعات القارئة في جميع أنحاء العالم، فالأدب الأيرلندي يصنفه أغلب النقاد والمفكرين بأنه أهم الآداب في أوروبا، بعد الأدب اليوناني واللاتيني، ليس لأن الأدب الأيرلندي أقدم أنواع الأدب في أوروبا فحسب، بل لأنه أدب لم ينقطع كتابةً منذ الأسطورة الأيرلندية المكتوبة «كوخولين» قبل 2000 عام تقريباً، وهي شخصية أسطورية محاربة، وإلى اليوم يكتب المؤلفون المعاصرون دون انقطاع، وبقدرة هائلة على توظيف تراثهم الشفاهي وبشتى الطرق، وكأن الأدب في دمهم.

وكم هي السياحة الخليجية والعربية ضعيفة في أيرلندا، مقارنة بسياحتهم في أدنبرة الاسكتلندية، المشهورة بمشاركتها في الاستعمار التوسعي العسكري زمن الحملات الإمبراطورية البريطانية، فعلى الرغم من الأصل المشترك بين اسكتلندا وأيرلندا، بوصفهما من السلالة السلتية، وهي قبائل مشتركة، إلا أن شهرة أيرلندا ليست عسكرية، بل أدبية ومتميزة عن جميع مدن أوروبا الغربية قاطبةً، ولا يعني هذا على أي حال عدم أهمية الآداب الأخرى، في اسكتلندا مثلاً وإنجلترا وويلز...

تبقى دبلن مدينة الأدب التابعة لليونسكو، وموطن الكُتاب الاستثنائيين على مر السنين، ومدينة جيمس جويس صاحب ملحمة «عوليس»، ومدينة المسرحي أوسكار وايلد، ومدينة الشاعر ويليام بتلر ييتس، ومدينة الناقد الساخر جورج برنارد شو، وصمويل بيكيت صاحب «في انتظار غودو» أهم مسرحية في القرن العشرين، ومدينة الشاعر شيموس هيني، وفلان أوبراين صاحب أدب ما بعد الحداثة.

بطبيعة الحال دبلن مدينة حاضنة للإبداع، وممولة للمهرجانات الأدبية العديدة في أرضها، في الربيع والخريف والصيف... ومكتبات بلا حد، ومقاهٍ أدبية، ومعارض، إلا أن كل ما ذكرت هي أنشطة ثقافية فقط، ونحن يعنينا هنا إنتاجها الأدبي المستمر، فهي اليوم من أقدم وأغزر الآداب في أوروبا الغربية.

ولعل السائح إلى جزيرة أيرلندا بأكملها يجد جواباً بالنظر إلى الأماكن المرتبطة بالكُتّاب والمسرحيين والمفكرين والشعراء الأيرلنديين، ولماذا هي أرض الإلهام... والبقاء للمدن الصانعة للأدب، بالإنتاج الغني للكتب طوال تاريخها.