قبل أيام كنت في زيارة إلى بلاد «بنت» أو بلاد الشحر، وبالتحديد صلالة في محافظة ظفار بسلطنة عُمان لحضور المهرجان السنوي، وكانت لي زيارة إلى منزل الباحث علي محاش الشحري، الذي يعود له الفضل باكتشافه الأبجدية الشحرية، ومقارنة نقوش ظفار بنقوش الكلورادو، الذين يقولون نحن من شحرة بني أوفير وبني بارح، وأوفير هم قبيلة عوفر أو عفير، وهي سلالة معروفة، وكذلك بني بارح من بيرح، المهم أن الباحث علي الشحري اجتهد ومنذ عقود في أبحاثه، مكتشفًا الكثير من الرسوم والنقوش على الكهوف الظفارية، مدونًا وموثقًا ومفسرًا ومؤلفًا العديد من الكتب، حتى أصبح مؤسسة بحد ذاته، ومن ضمن مؤلفاته الجاذبة كتاب ضخم بعنوان «لغة عاد»، الذي يفسر فيه أصل الأسماء مثل صلالة وهي تقال بالشحرية «صِيلِولت» وتعني السليل من السلالة أي الذرية، وكذلك «ريسوت» وهي بالشحرية «رسيت» من أرسأت، أي المرسى والميناء.

والكثير من الأسماء فسرها هنا كباحث عربي شرقي لديه لغته ولهجته القديمة الحية، وبالتالي أمر وصوله إلى منبع التفسيرات اللغوية أسهل وأدق من الباحث الأجنبي، الذي لن يصل إلى تفسير المعنى النصي، فهو يدرس ويحفظ ويترجم الصور والعلامات لكنه رغم اجتهاده يفتقر إلى الاستنتاجات التعبيرية في وثائقه.

الباحثون الغربيون وثقوا نطق اسم الملكة المصرية «حتشبسوت»، لكنه في أصله الحقيقي إن قمنا بتفكيك اسمها وتقسيم معناه، فإن «حت» هي أخت، و«شب» = شاب، بينما «سوت» تعني السوية، إذن هي (الأخت الشابة السوية) وهذا كان لقبها الملكي، وكذلك «نفرتيتي»، فإن «نف» من نفاف المطر أي القطرة، و«تي تي» أي الآتي من السماء، والمعنى أنها الشخص الآتي من السماء، أو (قطرة الماء السماوية)، إلى «حورس» وهو إله الشمس ويعني الحارس، ونطق الحورس متداول إلى الآن في لهجة قبائل الشحوح بين الإمارات وعُمان.

إلى «منبتاح» أو «منفتاح» أي (منة الفتاح) الذي ذهب إلى بلاد «بنت» من أجل اللبان.

بتصوري أنه آن الأوان ملامسة قراءة اللهجة في الدراسات الغربية لدى الباحث العربي، فلغتنا مستقلة وتنمو وحية ونتداولها، وبالتالي الأداء الصوتي يرافقه معانٍ مستترة تؤدي إلى انفعالات وتداعيات.. مثل المعنى الأصلي لزوج عشتار «دموزي حبسو» أي (دموزي الحبيس أو الأسير)، كما أن دم هنا البذرة المحبوسة، ويقال في الشام تمزة أي البذرة وهذا يتجاوز معطيات الدراسات الغربية التي تمنح تراث العرب والشرق مظهر السذاجة.

لا ننكر اجتهاد الباحث الغربي في قراءته لجدران المعابد والقبور الواسعة طوال قرن، ولكن ما قام به الشحري المخالف لآراء الباحثين الغرب، يؤكد أن النظام الكتابي يعبر عن أصحابه، لذا الباحث العربي المجتهد -وليته يودع كسله- هو الأقدر على ربط أسماء تراثنا القديم بلغتنا للتعبير عن أفكارنا المجردة.