أحمد بن سليم والهند

أجمل ما يمكن للمرء فعله، والمثقف تحديداً، هو كتابة سيرة ذاتية عن صديقه الشاعر الراحل، ويرسم ملامح شعره وسلوكه من جديد، وفق ما لديه من ذاكرة معه، بجانب أوراق وصور، وهي مسؤولية تصاحبها الأسرار، وبشهادة حسن نية، وهذا ما فعله الكاتب الناقد عبدالغفار حسين، مع صديقه الراحل أحمد بن سليم، في كتاب أصدره عام 2024 بعنوان: (أحمد بن سليم، السياسي والأديب)، وهو يعود بنا إلى أديب وقيادي معروف في زمن النخبة الخليجية المثقفة وخصوصاً في بدايات القرن العشرين وحتى منتصفه، حين وجدت هذه النخبة الهند ملاذاً وسفراً، وأحياناً هجرة، استقر بعضهم هناك، وعاد البعض إلى موطنه، ومنهم من أقام فيها وحمل الجنسية الهندية، ومنهم اتخذ من وسائل الهند الإعلامية المنفتحة، وسيلة لمقاومة إنجلترا من خلال الإذاعات العربية الناشطة هناك، بعد أن وجدوا الهند بيئة معرفية بديلة.

كان الأديب أحمد بن سليم، وكما ورد في كتاب الأستاذ عبدالغفار حسين، بأنه من الشخصيات القيادية المثقفة، مواليد ديرة حوالي 1903، كان سياسياً وقريباً من الأحداث في المنطقة بين الثلاثينيات والأربعينيات من القرن الماضي، ومشاركاً ومقاوماً، حتى اضطر للمغادرة بعد أن ضايقه ممثلو الإنجليز، فرحل إلى الهند، ومكث فيها طويلاً، ليعمل معداً في إذاعة الهند ومذيعاً لبرنامج باللغة العربية، موثقاً في كتابه سيرته وقصائده وحياته بالسرد والصور النادرة ومن عدة صحف قديمة، ودوريات، منها دورية مجلة أخبار دبي.

الجدير بالذكر أن أحمد بن سليم صاحب القصائد العربية الفصيحة والجزلة، كان أيضاً مراسلاً لجريدة العرب التي كانت تصدر من بومبي، كما ألقى وهو شاب يافع، قصيدة ترحيبية أمام الضيف السياسي التونسي عبدالعزيز الثعالبي أثناء زيارته لدبي عام 1923، ويذكر المؤلف عن مدى توطيد صداقاته بالأدباء والزعماء خصوصاً في الهند، منهم، السياسي والأديب مولانا أبو الكلام آزاد، الذي لقب بأبي الكلام لبراعته في الخطابة.

وفي إطار الخطابة والبراعة، ذكر المؤلف أن الشعر الفصيح في تلك الفترة لم يقرضه سوى مبارك العقيلي وسالم العويس، بجانب أحمد بن سليم الذي كان من رواد الحركة الفكرية والأدبية في القرن العشرين في الخليج والعربي والإمارات، وقبل عودته إلى دبي واستقراره وعمله، كمستشار للحاكم، وناظر للجمارك عام 1956، وبعد الاتحاد، عمل وزيراً للشؤون المالية والاقتصاد، ومناصب أخرى حتى وفاته 1976، وأخيراً يؤكد عبدالغفار حسين أن الكتابة عن الراحل لم تكتمل بعد، وإن تناول بعض الباحثين جانباً من حياته.