كتب الباحث علي العبدان في كتابه الرائع «الأغاني الإماراتية.. مساراتها الأولى ومصادرها القديمة»، الصادر عن مركز أبوظبي للغة العربية هذا العام، عن تاريخ الطرب الشعبي في الإمارات، موثقاً مرحلة حيوية مهمة ابتداء من ثلاثينيات القرن العشرين إلى نهاية الستينيات، وهو جهد دقيق حول الطرب الشعبي ومفهومه من حيث الاحتراف وفردية الأداء والعزف على الآلة، فالطرب الشعبي فردي في الأصل.
وإن قام بعض الحضور من المرددين خلفه بترداد اللوازم الغنائية، أي ما يشبه الجوقة أو الكورس خلفه، وهو ما نسميه في الإمارات الرديدة، حتى انتقال الطرب الشعبي من العزف كخبرة ارتجالية إلى النوتة التي نظمت الفرقة وجعلت الغناء ملتزماً بقواعد التدوين.
ويلفت العبدان النظر في كتابه حول المطربين الشعبيين الأوائل، فلم يكن هناك مطربون في الإمارات، أي لا يوجد من يغني بمصاحبة الآلات الموسيقية في بداية القرن العشرين.
إلا بعد أن سافر بعض أبناء الإمارات إلى دول الخليج للعمل، لتظهر بعض الحركات الفنية في الإمارات، ليقدموا خليطاً من الأغاني الخليجية، وخاصة مع الفنان البحريني محمد بن فارس، صاحب دمعي جرى، فكانت البحرين قِبلة التأثر، وأول التسجيلات للمطربين الإماراتيين الأوائل.
الغناء في البحرين حينها كان عبارة عن البستات العراقية والأدوار اليمنية، فأما البستات، فهي الأغاني الشعبية الخفيفة المرحة والملحقة بالمقام العراقي وأنغامه، بينما الأدوار اليمنية فهي الموشحات اليمنية القديمة، وكان أهل الإمارات وخاصة من محبي الطرب الشعبي، يستمعون إلى هذه القوالب الغنائية أثناء وجودهم في البحرين، مثل الفنان حارب حسن من دبي، الذي أقام فيها زمناً، وكان أكثر المتأثرين بإيقاع البستات والأدوار والطرب الشعبي في الإمارات.
ولفت نظري في كتاب العبدان ذكره مطرب الحي في ديرة في عقد الثلاثينيات، وهو محمد عبد السلام، الذي تعلم العود على يد فنان يمني يدعى عبد الوهاب، يعيش ويعمل في الثلاثينيات بدبي، وكان مصاحباً في أداء أغانيه الفنان شكرالله، وهو عازف كمان أفغاني يعيش في دبي الأربعينيات، ويختصرون اسمه بشكري.
مطرب دبي الشعبي محمد عبد السلام من مواليد 1918م، بلغ الاحتراف، وكان عزفه فصيحاً، وسجل مجموعة من أغانيه في شركة «أسطوانات دبي فون» في صيف عام 1952م، بعد أن اختار نصوصاً شعرية لقصائد إماراتية ولحنها بنفسه، وأصبح رائداً لفن الصوت في دبي وبقية الإمارات.