يتشابه اللبنانيون مع الشعوب العربية والإسلامية الأخرى في مظاهر الاحتفال بشهر رمضان المبارك، غير أن لديهم تقليداً خاصاً وفريداً يميزهم عن غيرهم، هذا التقليد لا يمكن العثور عليه إلا في لبنان، ذلك البلد الصغير من حيث المساحة وعدد السكان، ولكن الغني ثقافياً وحضارياً بطرق مدهشة.
تختتم احتفالات شهر شعبان في لبنان بتقليد مميز، يشارك فيه جميع اللبنانيين، في الاحتفال الذي يسمى «سيبانة رمضان»، وهو تقليد يشكل جزءاً من طقوس شهر رمضان، ويختلف في لبنان عن باقي الدول العربية.
مصطلح «سيبانة» باللهجة اللبنانية مشتق من الكلمة الفصيحة «استبانة»، التي تعني استجلاء الأمر، وفي السياق الرمضاني، تعني استطلاع الهلال أو رؤية الهلال، وذلك في إشارة إلى بدء شهر رمضان. وفي العادة، يخرج الناس في لبنان في شهر شعبان للاحتفال بحلول الشهر المبارك مبكراً.
تقام الاحتفالات في لبنان في المتنزهات العامة والحدائق، حيث يلتقي الأصدقاء والعائلات في جو من البهجة والسرور. ويصطحب المشاركون معهم أطيب الأطعمة والمشروبات والحلويات، كـ«الكبة، المحاشي، التبولة، الفتوش، والقطايف»، بالإضافة إلى المعمول والحلويات الأخرى.
يساهم «سيبانة رمضان» في تعزيز الروابط الاجتماعية بين أفراد المجتمع اللبناني، ويشكل فرصة مهمة لإحياء بعض الطقوس والتقاليد التراثية القديمة. ويشهد تقليد «سيبانة رمضان» مشاركة واسعة من المسيحيين إلى جانب المسلمين، وهو أمر يعكس روح التعايش والتسامح التي تميز المجتمع اللبناني.
يستمر هذا التقليد الرمضاني في جميع المناطق اللبنانية، شمالاً وجنوباً، دون أن تكون هناك فروقات جذرية في مظاهره، باستثناء بعض التفضيلات المحلية للأطعمة والمشروبات تبعاً للثقافة والموروث الثقافي لكل منطقة. هذا المشهد يعكس التنوع الحضاري اللبناني وقدرة هذا البلد الصغير على دمج الأفكار والتقاليد المتنوعة.
ورغم رياح الحداثة التي اجتاحت مختلف نواحي الحياة، لا يزال اللبنانيون يحرصون على التمسك بتقليد «سيبانة رمضان» الذي يحتل مكانة معنوية كبيرة في قلوبهم. ويعد هذا التقليد فرصة سنوية لمد جسور التواصل بين العائلات والأصدقاء.
وبعيداً عن الاحتفالات الترحيبية، فإن أجواء رمضان في لبنان تكون مليئة بالدفء الأسري، حيث تكثر ولائم الإفطار الجماعي التي تجمع أفراد العائلة حول مائدة الطعام. وعلى رأس المأكولات الرمضانية، يأتي المطبخ اللبناني الذي يقدم أصنافاً متنوعة وشهية من الأطعمة.
بعد الإفطار، يؤدي الصائمون صلاة التراويح، ومن ثم يتوجهون إلى المقاهي والأسواق. وقبل السحور، يظهر «المسحراتي» في الشوارع، حيث يقرع طبلته ويغني الأهازيج الشعبية التي يرددها الجميع في فرح وبهجة.